وصية الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه للمقدمين

أضيف بتاريخ 11/10/2021
التجانية

يشترط في المقدم في الطريقة التجانية أن يتخلق بمكارم الأخلاق، و يتحلى بمحاسن الآداب، وحسن المعاشرة مع الإخوان، وقد جمع سيدنا رضي الله عنه أهم ما يجب على المقدم أن يتصف به من ذلك في وصيته للمقدمين. 

قال رضي الله عنه:
"وأوصي من كان مقدما على إعطاء الورد، أن يعفو للإخوان عن الزلل، وأن يبسط رداء عفوه على كل خلل، وأن يجتنب ما يوجب في قلوبهم ضغينة أو شينا أو حقدا، وأن يسعى في إصلاح ذات بينهم، وفي إزالة كل ما يوجب بغضا في قلوب بعضهم لبعض، وإن اشتعلت نار بينهم سارع في إطفائها، وليكن سعيه في ذلك طلبا لمرضاة الله تعالى، لا لحظ زائد على ذلك، وأن ينهى من يراه يسعى في النميمة بينهم، وأن يزجره برفق وكلام لين، وعليه أن يعاملهم بالرفق والتيسير، والبعد عن التنفير والتعسير، في كل ما يأمرهم به وينهاهم عنه، من حقوق الله وحقوق الإخوان، ويراعي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" عليه أن يتباعد عن تغريم دنياهم، وأن لا يلتفت إلى ما في أيديهم، معتقدا أن الله تعالى هو المعطي والمانع، والخافض والرافع، وليجعل همته في تحرير دنياهم من التشتيت والتبذير، وأن لا يطلبهم بإعطاء شيء لا من القليل ولا من الكثير، إلا ما سمحت به نفوسهم من غير طلب، فإن عقول الناس حول هذا المطاف تدور، وعلى هذا المقدار تجري بهم جميع الأمور"(انظر: جواهر المعاني: 2 – 91).

اشتملت هذه الوصية الجليلة، على عدة أوصاف جميلة، وأخلاق نبيلة، يجب على كل مقدم أن يتصف بها، وأن يعمل على اكتسابها، والتحلي بها، وتفصيل ذلك كما يلي:
1-أن يعفو للإخوان عن الزلل، ويصفح عن الخلل ، فبذلك يتمكن من توثيق عرى المودة بينه وبينهم، وخصوصا إذا زاد على العفو والصفح، النصح والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة ، فإذا صدر مثلا من أحدهم ما يكره، تكلم في مذاكرة عامة في أمور متعددة، ثم تحدث عن قبح ذلك الفعل، وشناعته، وسوء عاقبة فاعله، ويبالغ في ذلك، حتى يكرهه فاعله، ويتركه من تلقاء نفسه، دون أن يشعر أنه هو المقصود بذلك.وهكذا يعالج كل زلل، ويجبر كل خلل بما يناسبه .

2- أن يجتنب ما يوجب في قلوب إخوانه ضغينة أو شينا أو حقدا ، ولا يتم له ذلك إلا باتصافه بالإيثار والكرم، والتواضع والصبر والحلم ، وأن لايميز بينهم، ولا يفضل بعضهم على بعض، ولا يكلفهم، ولا يشدد عليهم، وأن يهتم بشؤونهم، ويقضي حوائجهم، وأن ينصفهم من نفسه، ويترك الإنتصاف منهم ، ويرى أن لهم عليه من الحقوق ما لا يقدر على القيام بأقل القليل منه، ولا يرى لنفسه عليهم حقا من الحقوق.

3- أن يسعى في إصلاح ذات بينهم، وإزالة كل ما يوجب بغضا في قلوب بعضهم لبعض، وأن يسرع في إطفاء نار بينهم عند اشتعالها ، وهذا من آكد المهمات التي يجب على المقدم القيام بها، لأنه بذلك يجمع كلمة الإخوان. ويوحد صفوفهم، ويزيل كل نزاع وشقاق بينهم، ليكونوا على قلب رجل واحد ، وعليه أن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله تعالى، لا لحظ زائد على ذلك.

4- أن ينهى من يراه يسعى بالنميمة بين الإخوان، لإفساد المودة بينهم، وزرع العداوة في قلوبهم ، لكن ينبغي أن يكون زجره لمن فعل ذلك بالرفق والكلام اللين، والموعظة الحسنة، حسب ما تقدم في العفو والصفح.
5- أن يعامل إخوانه بالرفق والتيسير، وأن يبتعد عن التنفير والتعسير، في كل ما يأمرهم به وينهاهم عنه، وعليه أن يكون قدوة لهم، فيعمل بما يأمرهم به، ويبتعد عما ينهاهم عنه، فيرشدهم بالحال وبالمقال، ليكون التأثير أبلغ، والامتثال أسرع.

6- أن يتباعد عن تغريم دنياهم، وأن لا يلتفت إلى ما في أيديهم، وأن لا يطالبهم بإعطاء شيء لا من القليل ولا من الكثير، فلا يطمع فيما في أيديهم، لا باطنا بالتشوف إليه، ولا ظاهرا بالطلب والسؤال، فترك الطمع في الناس، ورفع الهمة عن الخلق، ثقة بالملك الحق، هو الشرط الذي عليه المدار في التقديم، وبه يعرف الصادق من غيره، لذلك قال سيدنا رضي الله عنه "إن عقول الناس حول هذا المطاف تدور، وعلى هذا المقدار تجري بهم جميع الأمور".
والإخلال بهذا الشرط هو الذي أدخل البلبلة والتخليط في أمر التقديم، زيادة على حب الرئاسة والظهور، لذلك يجب ألا يقدم من فيه رائحة الطمع أو حب الرئاسة أبدا.

تضمن الجزء الأول من هذا المقال قراءة في الرسائل الإثنى عشر الأولى من مجموع الرسائل المنسوبة للشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه، المذكورة في كتاب جواهر المعاني. وفي هذا الجزء تتمة للقراءة في باقي الرسائل.

وفي الرسالة الثالثة عشر: أكد رضي الله عنه على ضرورة تعلق القلب بالله والثبوت لمجاري الأقدار الإلهية، وعدم اعتياد النفس الجزع من الله تعالى، فإن اشتد الكرب فالتضرع إلى الله تعالى، وحذر من تكرار الفزع إلى الله تعالى في كل كرب فإنه بذلك يصير الجزع من أمر الله تعالى عادة.

وفي الرسالة الرابعة عشر: أعطى رضي الله عنه ترياقا لتقويم اعوجاج النفس وهو: قمع النفس من متابعة الهوى مع دوام العزلة عن الخلق، والصمت، وتقليل الأكل، والإكثار من ذكر الله بالتدريج، وحضور القلب مع الذكر، وحصر القلب عن الخوض في أمور الدنيا، وحصر القلب عن جميع المرادات والاختيارات.

وفي الرسالة الخامسة عشر:- الموجهة إلى أحد المسؤولين- أمر الشيخ رضي الله عنه بتقوى الله وبمراقبته بالقلب وبالشفقة والرأفة بعباد الله خاصة الضعفاء والمساكين وقضاء حوائجهم.

وفي الرسالة السادسة عشر: أكد الشيخ رضي الله عنه في جوابه لأحد أحبابه من التجار على وجوب الاقتصاد والتوسط في النفقة والصدقة والبذل بقدر اتساع المال، وقدر المصروف على الأهل والنوائب، وعلى قدر المدخول من التجارة والأسباب في كل وقت، ونصح رضي الله عنه بالاعتناء بتحصين المال من التلف، وقال بهذا الصدد: " فإن مالك به يصان إيمانك بالله تعالى"

واشتملت الرسالة السابعة عشر: على أمور كثيرة بدأها رضي الله عنه بتقوى الله تعالى، وكلمة الحق في الرضا والغضب على الصديق والعدو، والقصد في الغنى والفقر، والفزع إلى الله تعالى واللجوء إليه وتعلق القلب به، والحياء منه.

وبين الشيخ رضي الله عنه الفرق بين حياء العامة وحياء الصديقين، فأما حياء العامة ففسره بقول المعصوم عليه الصلاة والسلام:" أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ". وأما في حق الصديقين فهو: إطراق الروح من هيبة الجلال. وحثت الرسالة أيضا على التقرب إلى الله تعالى بمحق العلائق، وقطع العوائق، لا لغرض بل قياما بحق عظمته وجلاله وحبا لذاته سبحانه، وعلى المبادرة بالتوبة والتضرع إلى الله تعالى، وعلى الاهتمام بنفع عباد الله تعالى، والمحافظة على حقوق الإخوان في الطريقة لله، وتًحيّن الأوقات الفاضلة للخلوة مع الله تعالى كوسط الليل إلى طلوع الفجر، وبعد صلاة الصبح إلى الضحى، وبعد صلاة العصر إلى العشاء، وحذر من خلال هذه الرسالة من المجالس ومآخذ العلم التي تؤدي إلى الدخول في مداخل العامة أو الأحوال المخزنية، وأكد على الاهتمام بما يصلح به الإنسان نفسه أولا مما يلزمه من صباحه إلى مسائه، وحث على شكر الله في وقت النعمة والصبر في وقت الشدة، ووجوب التوبة في وقت المعصية، وشهود المنة في وقت الطاعة، والإخلاص في ذلك كله لله.

وفي الرسالة الثامنة عشر: أوصى رضي الله عنه وأرضاه مخاطبه بأمور أولها وجوب كتم السر. قال رضي الله عنه: "فالأسرار قبورها صدور الأحرار، والأسرار قبورها صدور الأخيار، والأسرار قبورها صدور الكبار"؛ وثانيها عدم التفريط في أمر الله على قدر الاستطاعة؛ وثالثها عدم الأمن من مكر الله؛ ورابعها وجوب الاعتناء بالضعفاء والمظلومين.