معنى الأشعرية

أضيف بتاريخ 08/25/2021
الأشعرية


وعندما نقول الأشعرية فنعني بها على وجه التحديد المنهج الذي سلكه الإمام الأشعري في الدفاع عن عقائد أهل السنة والجماعة، أو الطريقة التي اعتمدها هذا الإمام العظيم في بسط العقائد الدينية عموما. أما أصول تلك العقائد فهي مضمنة في القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة.

إن اهتمام علماء المغرب بالعقيدة الأشعرية وانتسابهم إليها، واهتمامهم بالإمام الأشعري نفسه يتناسب مع مركزه كرائد روحي لأغلب المسلمين... وهو الذي نذر حياته لخدمة أشرف العلوم، علم أصول الدين، الباحث في ذات واجب الوجود وصفاته وأفعاله...

لقد حافظ الأشاعرة على جوهر التوحيد الإسلامي، ولم يخالطوا أصولهم بشيء من بدع الفرق الضالة. فقد أجمع هؤلاء: "على حدوث العالم، ووجود البارئ تعالى، وأنه لا خالق مبدع سوى الله تعالى، وأنه سبحانه قديم لم يزل ولا يزال، وأنه متصف بصفات الجلال من العلم والقدرة والإرادة ... وأنه سبحانه وتعالى لا شبيه له، ولا نظير، وأنه لا يحل في شيء، ولا هو محل للحوادث، وأنه ليس في جهة ولا حيز، ولا يجوز عليه الحركة والانتقال، وأنه يستحيل عليه الجهل والكذب وسائر صفات النقص، وأنه لا شريك له، ولا ضد ولا ند، وأنه مرئي للمؤمنين في الآخرة، وأنه لا يكون إلا ما يريد، وما أراده فهو كائن، وأنه غني عن خلقه غير محتاج إلى شيء، وأنه لا يجب عليه شيء، بل إن أثاب فبفضله، وإن عاقب فبعدله، وأنه برئ من المقاصد والأغراض في فعله، لا يوصف فيما يفعل بجور ولا ظلم...

وأجمعوا على المعاد والمجازاة والمحاسبة وخلق الجنة والنار وخلود نعيم أهل الجنة، وخلود عذاب أهل النار من الكفار، وجواز العفو عن المذنبين، وشفاعة الشافعين. وعلى جواز بعثة الرسل، والاعتراف بكل من بعث وأيد بالمعجزات من الرسل والأنبياء، من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وأن أهل الرضوان وأهل بدر من أهل الجنة ... ووجوب نصب الإمام.( 1)

مذهب وَحَّدَ المذاهب

إن حقيقة مذهب الإمام الأشعري والمضمون العقدي الذي يرتكز أنه :" لم يُبدع رأيا، ولم ينشئ مذهبا، وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريقة السلف نطاقا، وتمسك به وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتدي به في ذلك السالكُ سبيله في الدلائل، يسمى أشعريا... وقد ذكر شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام أن عقيدته اجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية والفضلاء من الحنابلة."( 2)
لقد عرف علماء المغرب فضائل العقيدة الأشعرية والمقاصد النبيلة التي انبنت عليه هذه العقيدة السنية الجماعية، والمنهج الوسطي الذي تميزت به عبر تاريخها الحافل فاعتمدوها عقيدة رسمية، ونافحوا عنها وانتصروا لها. يقول القاضي عياض في ترجمته للإمام الأشعري:" ... وصنف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنة، وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى، ورؤيته، وقدم كلامه، وقدرته، وأمور السمع الواردة من الصراط والميزان والشفاعة والحوض وفتنة القبر التي نفت المعتزلة، وغير ذلك من مذاهب أهل السنة والحديث، فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة ودفع شبه المبتدعة..."( 3)

مذهب أهل السنة والجماعة

لقد أدرك علماء المغرب أن العقيدة الأشعرية في صيغتها النهائية ما هي إلا امتداد طبيعي لمذهب أهل السنة والجماعة، وأن الاقتداء بأئمة هذه العقيدة السنية يسمو بالمعتقد إلى تمثل روح المنهج القرآني في تقرير العقائد الدينية، ثم منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابع التابعين في التلقي والفهم والتنزيل.
ويقول العلامة أبو عبد الله سيدي محمد الطالب بن حمدون بن الحاج عن الإمام الأشعري: "... أنه أول من تصدى لتحرير عقائد أهل السنة وتخليصها ودفع الشكوك والشبه عنها وإبطال دعوى الخصوم، وجعل ذلك علما مفردا بالتدوين".( 4)
أما تعميم العقيدة الأشعرية والتعريف بمفرداتها على نطاق واسع وجعلها عقيدة تحظى بعناية خاصة في الأوساط الشعبية بكل ما في الكلمة من معنى، فيرجع الفضل في ذلك كله إلى الإمام المجاهد سيدي أبي محمد عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر (تـ 1040 هـ) الذي عمد إلى صناعة منظومة تتضمن جملة ما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، وهي بحق الصياغة المبسطة والنهائية للعقيدة الأشعرية بأدلتها العقلية والنقلية... وهذه المنظومة فضلا عن اشتمالها على أساسيات العقيدة الأشعرية كما انتهت عند المتأخرين، فإنها جاءت بنسق معرفي متكامل يتأسس على العقيدة الأشعرية أولا، ثم الفقه المالكي ثانيا، ثم التصوف السني الذي يعطي لهذه المعارف كلها نفسا متجددا ثالثا.

لقد أدرك علماء المغرب أيضا روح المنهج الذي وظفه الإمام الأشعري في دراسة قضايا أصول الدين، وتقرر لديهم أنه منهج يسير على هدي القرآن الكريم الذي يجعل حدا فاصلا بين الخالق والمخلوق، كما ينفي نفيا قاطعا أن يكون لله شبيه من مخلوقاته، لقوله سبحانه:" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى : 11] وهذه الآية الكريمة أصبحت عند أئمة المذهب الأشعري قاعدة أساسية في تنزيه الله تعالى تنزيها مطلقا ترد إليها جميع النصوص الدينية الموهمة للتشبيه...

المزاوجة بين العقل والنقل

ولقد ظل الإمام الأشعري وفيا لمذاهب أهل السنة والجماعة في تقرير العقائد الإيمانية، متصفا بفضيلة بالخلق العلمي، مزاوجا بين العقل والنقل، بل إن مصطلح الأشعرية أصبح مرادفا لمصطلح أهل السنة والجماعة، الذي يعبر عنه أيضا بمذهب أهل الحق، أو المثبتة... بل هو الصيغة النهائية لمذهب هؤلاء جميعا.
وفي هذا الصدد يقول القاضي عياض: "... فلما كثرت تواليفه وانتفع بقوله، وظهر لأهل الحديث والفقه ذبه عن السنن والدين، تعلق بكتبه أهل السنة، وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا في طريقه، وكثر طلبته وأتباعه لتعلم تلك الطرق في الذب عن السنة، وبسط الحجج والأدلة في نصرة الملة فسموا باسمه وتلاهم أتباعهم وطلبتهم، فعرفوا بذلك وإنما كانوا يعرفون قبل ذلك بالمثبتة، سمة عرفتهم بها المعتزلة، إذ أثبتوا من السنة والشرع ما نفوه... فكذلك أبو الحسن، فأهل السنة من المشرق والمغرب بحججه يحتجون، وعلى منهاجه يذهبون، وقد أثنى عليه غير واجد منهم، وأثنوا على مذهبه وطريقه." (5 )

إننا ونحن نؤسس لهذا العمل العلمي الذي نعتبره استئنافا للدرس العقدي الأشعري المتجدد والموصول لنرجو صادقين أن نكون قد قمنا بعمل علمي يستجيب لأسئلة العقيدة في علاقاتها المتجددة مع الخالق عز وجل، والكون والإنسان والحياة. آملين أن يكون هذا المشروع العلمي منطلقا للبحث في المذهب الأشعري والتعريف به على نطاق واسع. وهو المذهب السني الجماعي الذي وحد كلمة المسلمين وجنبهم انحرافات عقدية خطيرة ...

---------------------------------------
( 1 ) أبكار الأفكار، لسيف الدين الآمدي 5/96
(2 ) طبقات الشافعية، 2 /254
(3 ) ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض، 5/24. تحقيق د. محمد بنشريفة، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
(4 ) حاشية العلامة محمد الطالب بن الحاج على ميارة، شرح المرشد المعين،ص: 116
(5 ) ترتيب المدارك للقاضي عياض، 5/25.