مباحث العقيدة الأشعرية: صفات الله تعالى وأقسامها

أضيف بتاريخ 01/07/2022
الأشعرية

يقوم العلم بالله جل جلاله على ثلاثة أسس وهي: العلم بما يجب له من الصفات، وبما يستحيل عليه، وبما يجوز في حقه تعالى. وترشدنا هذه المستويات الثلاثة فقط إلى التعرف على الله تعالى من خلال صفاته دون الإحاطة بذاته سبحانه، لأن معرفة حقيقة الذات الإلهية كما هي في واقعها الوجودي المتعالي أمر لا ترقى العقول إلى إدراكه. لأن حقيقة الذات المقدسة أكبر من أن تحيط بها عقولنا القاصرة بطبيعتها. 

إن العلم بالله سبحانه وتعالى يقوم على ثلاثة أسس وهي: العلم بما يجب له سبحانه وتعالى من صفات، والعلم بما يستحيل عليه سبحانه، والعلم بما يجوز في حقه سبحانه.(1 )

ثم إن مضمون هذه المعرفة بمستوياتها الثلاثة السابقة ترشدنا فقط إلى التعرف على الله تعالى من خلال صفاته دون الإحاطة بذاته سبحانه، لأن معرفة حقيقة الذات الإلهية كما هي في واقعها الوجودي المتعالي أمر لا ترقى العقول إلى إدراكه. إننا نستطيع أن نثبت بالأدلة العقيلة والشرعية الوحدانية المطلقة الله تعالى، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نحيط بحقيقة الذات الإلهية، لأن حقيقة الذات المقدسة أكبر وأعظم من أن تحيط بها عقولنا القاصرة بطبيعتها.
إن الإنسان المسلم يكفيه في هذا الموضع الخطير أن يردد قوله تعالى:" ِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى : 11]. وقوله جل شأنه : وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [طه: 110]

إننا في دراستنا لقضايا العقيدة وبالضبط في الجانب الإلهي المتعالي لا نطمح أبدا إلى معرفة حقيقة ذاته سبحانه وكنهها على نحو ما هي عليه، ذلك أن طبيعة إدراكاتنا وقصور عقولنا لا تسمح لنا بولوج عوالم الغيب والإحاطة بها، بل كل ما في الأمر أننا نتعرف على الذات العلية للخالق عز وجل من خلال صفاته وإبداعه وخلقه. إن العقل – كما يقول ابن خلدون- " ميزان صحيح، فأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمح أن تزن به أمور التوحيد والآخرة وحقيقة النبوة وحقائق الصفات الإلهية، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال، ومثال ذلك مثل رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال، وهذا لا يُدرك، على أن الميزان في أحكامه غير صادق، لكن العقل قد يقف عنده ولا يتعدى طوره حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته فإنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه، وتفطن في هذا لغلط من يقدم العقل على السمع، في أمثال هذه القضايا وقصور فهمه وضمحلال رأيه..." ( 2)

والذي ينبغي للمسلم اعتقاده في هذا الموضع على سبيل الإجمال هوأن يعلم " أن ذات الله تعالى توصف ولا تدرك، فالله سبحانه وتعالى خالق الكون، وطبيعة الخالق مخالفة لطبيعة المخلوق، كما يختلف النجار عن الباب الذي يصنعه، وعلى هذا يرشدنا القرآن إلى معرفة الله بآثاره الدالة على صفاته وكمال جلاله وجماله، وتنزهه عن المماثلة لخلقه، أو الاتحاد أو الحلول في شيء مما خلق، وأوصد أمام الإنسان باب التطلع إلى معرفة حقيقته وذاته، وصرفه عن محاولة التفكير في هذا الباب … والعجز عن إدراك حقيقة الذات الأقدس عقيدة من عقائد الإيمان بالله، وهو نفسه برهان على سمو الألوهية الحقة عن الدخول في دائرة التفكير العقلي المحدود بطبيعته، والذي لا يجد مجالا لتخطي ما وراء الكون.( 3)
وقد جاء القرآن الكريم مقررا هذا المعنى ، قال تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11] وقال جل شأنه :" لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 103]. وقال أيضا: " يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً. [طه: 110]

وإلى هذه المعاني المتعالية يشير ابن أبي زيد القيرواني بقوله:" لا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون، يعتبر الفكرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته" يقول القاضي عبد الوهاب بن ناصر البغدادي:" فأما اعتبار المتفكرين بآياته: فهو استدلالهم على وجوده بأفعاله وآثار صنعته، وتقدمه على إحداثه لخلقه..."( 4)

صفات الله تعالى كمال أعلى

اعلم أن كمالاته سبحانه وتعالى أو صفاته الوجودية لا نهاية لها، وبمقتضى هذا الأصل، فإن صفاته سبحانه وتعالى والعلم بها على سبيل التفصيل، أو في نطاق ترجمة كماله سبحانه وتعالى في واقع الأمر لا تنحصر في عدد معين، لكن لما ثبت أن هناك صفات معلومة قام الدليل الشرعي على ثبوتها لله تعالى وتجب على المكلف معرفتها وهي على سبيل الحصر عشرون صفة أساسية، تنتظم في قسمين رئيسيين: صفات ثبوتية، وصفات سلبية، والثبوتية نوعان: ما يدل على نفس الذات وهي الصفات النفسية، ومنها ما يدل على معنى زائد على الذات، وهي صفات المعاني والصفات المعنوية، كما يظهر من خلال التقسيم المنهجي الآتي:

القسم الأول: الصفات النفسية:

والمراد بها الصفة الثبوتية التي يدل الوصف بها على نفس الذات دون معنى زائد عليها. وهي صفة واحدة وهي الوجود. وسميت نفسية نسبة للنفس بمعنى الذات، لأنها لا تتحقق خارجا بدونها.

وانطلاقا من هذا التحديد فإن اعتبار الوجود صفة على مذهب الإمام الأشعري رحمه الله فيه تسامح، لأنه اعتبر الوجود عين الذات، وليس بزائد عليها، والذات ليست بصفة.

وقد قامت الأدلة العقلية والنقلية على وجوده سبحانه وتعالىن هذا الوجود الذي يعني أنه سبحانه لا يجوز عليه العدم ولا يقبله أزلا وأبدا.

القسم الثاني: الصفات السلبية:

وهي التي لا تدل على معنى موجود في نفسها، بل تفهم بشكل سلبي أي سلب معنى لا يليق به سبحانه، سميت سلبية لأن كل صفة من الصفات السلبية الخمسة الآتية سلبت ونفت عن الله أمرا لا يليق به سبحانه.
ولما كانت الصفات السلبية كثيرة، بمقتضى أن كل نقص يُنفى بعكسه، والنقائص كثيرة ، فإن هناك خمس صفات هي أمهات الصفات السلبية يغني تحصيلها عن استحضار جزئياتها على وجه التفصيل وهي:

الوحدانية: وهي من الصفات الأساسية في التصور الإسلامي، بل هي مهمة جميع الأنباء والمرسلين الذين اتجهوا في دعوتهم إلى عبادة الإله الواحد ونفي جميع ضروب الشرك.

ويتحدد مدلول الوحدانية عقديا أنه سبحانه وتعالى واحد من حيث الذات والصفات والأفعال:
أولا: بالنسبة للذات: أنها غير مركبة من أجزاء، وأنها غير متعددة، بحيث يكون ثمة إله ثان، فهي واحدة من غير تركيب ولا تعدد.

ثانيا: بالنسبة للصفات: فهي غير متعددة من جنس واحد كقدرتين فأكثر- مثلا- وأنه لا توجد لأحد صفة تشبه صفاته سبحانه.
ثالثا: وبالنسبة للأفعال: فمعناه أنه لا يوجد لغير الله فعل من الأفعال على سبيل الإيجاد والأختراع ، وإنما ينسب الفعل لغير الله تعالى على وجه الكسب والاختيار.

وانطلاقا من هذا التصور السني للفعل الإلهي فإن الله تعالى خالق كل شيء ومبدع كل شيء، فهو سبحانه مستقل بالإيجاد والإبداع.

القدم: وهو صفة سلبية لا تدل على معنى موجود في نفسها، ومعناه في حقه تعالى القدم الذاتي، وهو عدم وجود أول له سبحانه، وأن وجوده غير مسبوق بعدم. أو سلب العدم السابق على الوجود، أما القدم في حق البشر فالمراد به الزماني، وهو طول المدة وهذا مستحيل في حقه تعالى، لأن وجوده سبحانه لا يتقيد بزمان ولا مكان، لحدوث كل منهما فلا يتقيد بواحد منهما قال تعالى: " هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3].(6 )
ومضمون هذه الآية الكريمة هو الذي يشير إليه ابن أبي زيد القيرواني في بقوله:" ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء". قال القاضي عبد الوهاب:"هو كلام في قدمه، ووجوب وجوده...(7 )

البقاء: وهو عبارة عن سلب العدم اللاحق للوجود، أي أنه سبحانه وتعالى لا آخر لوجوده، وأنه باق إلى ما لانهاية، فهو سبحانه أزلي أبدي، لا يسبقه عدم، ولا يلحقه فناء " قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء ...(8 )

ويقول الإمام الجويني:" يجب القطع بأن الله باق، وما وجب قدمه استحال عدمه. ( 9)

ومن الأدلة النقلية على ثبيوت هذه الصفة قوله تعالى:" هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد : 3].

وقوله جل شأنه :" كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن : 26، 27]

ومن الأدلة العقلية على ثبوت صفتي القدم والبقاء، ما يشير إليه الإمام الباقلاني بقوله:"وإذا ثبت أن صانع الموجودات ومحدثها لا يجوز أن يكون يشبهها، فيجب أن تعلمَ أن محدث العالم قديم أزلي لا أول لوجوده، ولا آخر لدوامه. والدليل على صحة ذلك: أنه لو لم يكن قديما كما ذكرنا لكان محدثا، ولو كان محدثا لاحتاج إلى محدث أحدثه، لأن غيره من الحوادث إنما احتاجت إلى محدث لأنها محدثة، ولو كان ذلك كذلك لاحتاج كل محدث إلى محدث آخر إلى ما لا نهاية له، ولا غاية، ولما بطل ذلك صح كونه قديما أزليا.

وبمثل هذا الدليل: يُستدل على بطلان قول من زعم من أهل الدهر أن الحوادث لا أول لوجودها، فافهمه ترشد إن شاء الله".( 10)

المخالفة للحوادث: أي أن سبحانه وتعالى لا يماثله شيء من المخلوقات، مطلقا لا في الذات و لا في الصفات ولا في الأفعال، أي أنه لا توجد لا ذات تشبه ذاته تعالى ولا صفات شتبه صفاته سبحانه، ولا فعل يشبه أفعاله سبحانه وتعالى. ومعناه مخالفة الخالق عز وجل للحوادث – وهي كل ما سوى الله تعالى- التي يلحقها العدم.

وإذا تقرر أن كل ما سوى الله تعالى حادث، ومخلوق لله تعالى، وهذا هو مدلول لفظ الحوادث، فإن ذات الخالق سبحانه وتعالى ليست كذات أي شيء من المخلوقات، وكل صفة من صفاته ليست كصفة أي مخلوق من المخلوقات، وأفعاله تعالى ليست كأفعال أي شيء من المخلوقات، قال تعالى: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى : 11] فأول هذه الآية تنزيه وآخرها إثبات، ومعناها أنه ليس شيء مماثلا له في الذات ولا في الصفات ولا في الأفعال.( 11)
القيام بالذات: ويعبر عن هذه الصفة بالقيام بالنفس أو الغنى المطلق، على أن المراد بالنفس هنا هو الذات، وهذه المعاني كلها تعني عقديا أنه سبحانه وتعالى غير مفتقر إلى موجد يوجده ولا إلى محل يقوم به. أو بعبارة أخرى، فإن معنى قيامه سبحانه وتعالى بنفسه هو عدم افتقاره إلى محل يقوم به، كما يعني نفي احتيتاجه إلى فاعل أو مخصص.
ومن الأدلة النقلية على ثبوت هذه الصفة قوله تعالى:" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ " [سورة الإخلاص] ولفظ الصمد يجسد معنى صفة القيام بالذات ، إذ معناه: الذي لا يحتاج إلى شيء، ويحتاج إليه كل شيء. وقوله تعالى" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: 15]

ومن الأدلة النقلية على ثبوت هذه الصفة أنه سبحانه وتعالى لو افتقر إلى محل أو ذات يقوم بها لكان عرضا، وهو محال. ولو افقتر إلى فاعل أو مخصص، لكان حادثا، وهو أيضا محال.( 12)



--------------------------------------------
(1 ) التمييز لما أودعه الزمخشري من الاعتزال في تفسير الكتاب العزيز، لأبي علي عمر بن محمد السكوني 1/65
(2 ) مقدمة ابن خلدون 3/968 تحقيق د. علي عبد الواحد وافي.
(3 ) مقارنة الأديان الإسلام أحمد شلبي ص 105.
(4 ) شرح عقيدة بن أبي زيد القيرواني، ص 165
(6 ) حاشية الدسوقي على أم البرهين، ص: 102
(7 ) شرح عقيدة ابن أبي زيد القيرواني للقاضي عبد الوهاب بن ناصر الابغدادي، ص162
(8 ) شرح العقيدة الطحاوية للميداني، ص 52.
(9 ) العقيدة النظامية ، ص 164.
(10 )الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، للباقلاني، ص: 33
(11 ) شرح جوهرة التوحيد سليمان القضاة ص: 54 ، حاشية الدسوقي على أم البراهين، ص 109
(12) شرح ام البراهين للملالي، ض:58.