الوعظ والإرشاد وصناعة النفسية الاستيعابية

أضيف بتاريخ 03/10/2023
بوابة أقطاب


عندما يؤمن الإنسان بوطنه فإنه يتبنى شعبه، سواء في ذلك حسناته وخطاياه! كيف ذلك

كل الناس يحبون أن يحمدوا على فعل الحسنات، ولكنهم يتبرؤون من السيئات، والمؤمن بوطنه وحده يتبناها؛ بمعنى أنه يراها جزءا منه، ومن مشاكله هو،لا من مشاكل غيره. فيبادر إلى علاجها بإيجابية وصدق، كما يعالج جرحا في جسده أو ألما في قلبه. فلا تنقلب ملاحظاته في هذا الشأن عداوة للمجتمع، وبغضا له! بل تكون محبة له وإشفاقا عليه! وهو معنى أصيل في الإسلام، أصله قول النبي صلى الله عليه وسلم:

(اُنْصُرْ أخَاك ظالِماً أو مظلوماً ، فقال رجلٌ: يا رسول الله! أنْصُرُهُ إذا كان مظلوماً، أفرأيتَ إذا كان ظالماً؛ كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإنَّ ذلك نَصْرهُ!)[1]

فهو إذن "أخوك"، حتى ولو كان مخطئاً وظالِماً ، وما ينبغي إقراره على الخطأ، ولكن لا يجوز - في الآن نفسه - التنكر له ومقاطعته ، بل نُصلح خطأه تربويا. وهذا كمال مفهوم المواطنة في بُعدها الاستيعابي، القائم على الحوار والمناصحة والمحبة. وهو معنى "النصيحة" في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.) [2]

وعندما يكون ذلك عملا استيعابيا صادقا حقا؛ فإنه لا يكون استفزازيا ولا عشوائيا ولا انتقاميا، بل يكون عملا علاجيا حكيما، هادئا مطمئنا؛ بما ترسخ لدى صاحبه من نفسية استيعابية إيجابية تجاه وطنه وأمته. ويترتب عن ذلك -بصورة تلقائية- علاج النفسية المضادة، وهي (نفسية الانغلاق) و(نفسية الصدام) في المجال الديني والسياسي والاجتماعي.

وإنما يستعين الواعظ أو المرشد على تحقيق تلك المقاصد، في خطابه التربوي والتعليمي إضافة إلى مجهوداته الشخصية في التحصيل للحكمة والمتابعة للمستجدات في الحقل الديني بتحقيق التواصل المستمر مع التوجهات الوطنية العامة للبلاد، ومعرفة الأمراض الاجتماعية، وطبائعها العقدية، وتجلياتها الدينية، مما تهب ريحه على البلاد والعباد، من هنا وهناك.

وإنما يتم له ذلك بـ:

- مراعاة التوجيهات السامية لأمير المؤمنين في الشأن الديني والوطني ؛

- التواصل الدائم مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية؛ لضبط التصورات والتوجهات العامة لما فيه خير البلاد والعباد ؛

- الاقتراب من المواطنين ، وخاصة فئة الشباب منهم، والإنصات إليهم، وتلبية حاجاتهم العلمية والتعبدية، وإرواء عطشهم الروحي، بما يعمر حياتهم بالإيجابية، ويقضي على ردود الفعل العدمية. وتلك هي المهمة العظيمة والمسؤولية الكبرى التي ناطها أمير المؤمنين بالعلماء.

وعليه ، فمما يجدر التذكير به في هذا الإطار ، ما ورد ضمن الخطاب السامي الذي ألقاه أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس - أعزه الله وأيده - توجيها للمجالس العلمية بالمغرب، حيث قال جلالته في سياق تحديد وظائفها: (لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني بتدبير الشأن الديني عن قرب، وذلك بتشكيلها من علماء مشهود لهم بالإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها، والجمع بين فقه الدين والانفتاح على قضايا العصر، حاثين إياهم على الإصغاء إلى المواطنين، ولاسيما الشباب منهم، بما يحمي عقيدتهم وعقولهم من الضالين المضلين!)3