فاس- تجسد هندسة جامع الأندلس فنا معماريا وتراثا تقليديا غاية في الجمال، يعود إلى الحقبة الأولى من دخول الإسلام إلى شمال القارة الإفريقية، أبدع في تشييده صناع وحرفيون مهرة.
ويقع المسجد في مكان مرتفع نسبيا على مقربة من باب الفتوح وداخل أسوار المدينة القديمة، ولا يبعد كثيرا عن جامع القرويين، ويحمل الحي الذي يوجد فيه الجامع اسم "الأندلس".
ويمتد المسجد على مساحة تزيد عن 4000 متر مربع، ويتسع لحوالي خمسة آلاف مصل. وتميز الجامع منذ تأسيسه باحتضانه للطلبة الذين كانوا يقصدونه للنهل من العلم والمعرفة، لكن بعد تأسيس مدرسة الصهريج ومدرسة السباعيين المجاورتين له، اقتصر المسجد على وظيفته التعبدية.
وشيد جامع الأندلس في السنة الثانية بعد إنشاء جامع القرويين (859م)، على يد السيدة مريم شقيقة فاطمة الفهرية، ليشكل قطبا دينيا وثقافيا مهما لمدينة فاس.
وخضع جامع الأندلس منذ تأسيسه بشكل متواصل لعمليات توسيع وترميم وتنميق بقطع مختلفة من الأثاث (ثريات، منبر، ساعات حائطية)، وزوده الموحدون في القرن الثالث عشر (1204م) بباب أثرية، تقود مباشرة إلى صحن الجامع عبر أربعة عشر درجا تطل على واجهة المسجد الشمالية.
ويتميز الباب الأثري الضخم للمسجد باحتوائه على تشكيلات زخرفية دقيقة من أفاريز من الخشب المنقوش، وزليج متعدد الألوان... وتطل صومعته التي شيدت في القرن العاشر وفق نموذج توأمتها لصومعة القرويين، على عدوة الأندلس.
وجرى تزويد جامع الأندلس بالماء العذب من عين تقع خارج باب الحديد من عدوة القرويين، حيث ظل ماء المسجد ينسكب في العديد من السقايات والنافورات التي تزين الفناء ودار الوضوء.
وتعاقب على منبر جامع الأندلس وكراسيه العلمية على مر السنين العديد من العلماء الذين كانوا بمثابة منبع متجدد للعلم والمعرفة، ومقصدا لطلبة العلم من كل مكان.
ويحتل المسجد مكانة متميزة عند أهل مدينة فاس الذين يعتبرونه من المعالم الدينية والروحية المتميزة، إذ يأتي في المرتبة الثانية بعد جامع القرويين. وتحيط به أحزمة من البيوت التاريخية والمعالم الثقافية والتاريخية، كما ينبض الفضاء المجاور للمسجد بحركة تجارية كبيرة.