تكافل الأمم والشعوب في زمان الأوبئة والخطوب

أضيف بتاريخ 04/08/2020
بوابة الرابطة المحمدية للعلماء - د. عبد الهادي السلي


الحمد لله وحده، والصلاة على من لا نبي بعده

وبعد، فمن بديع مأثور الكلام، الذي يُكتب بمداد الذهب في هذه الأيام التي عصف وباء الكورونا بأهل الأرض قاطبة، حيث البشرية مع الجائحة في كفاح دائب صحيا واجتماعيا، اقتصاديا وأمنيا..

وقد وفق الله أمير المؤمنين محمدا السادس سدد الله خطاه أيما توفيق بسياسة رشيدة آثرت الجمع بين حزم أمني تمثل في قرار حجر صحي عام، وعزم صحي ماثل في الجهود الجبارة الحثيثة للمستشفيات المدنية والعسكرية، وتضامن اجتماعي لاحت أولى بشائره في استحداث صندوق خاص؛ لمواجهة الوباء صحيا واجتماعيا. وهو ما هب إليه الكل بالتضامن والتكافل ملكا وشعبا، أغنياء وفقراء.

وكأن هذا النص لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك الجويني رحمه الله(ت 478هـ) في كتابه «غياثُ الأمم في التياث الظُّلَم» يعني هذا الزمان، ويخاطب ذات الإنسان، ويخبر عن نفس الوباء، ويحث على هذا التضامن والإخاء:

قال رحمه الله: « وأما سد الحاجات والخصاصات فمن أهم المهمات.. وإن قُدرت آفة وأَزْم وقحط وجدب، عارضهتقدير([1])رخاء في الأسعار تزيد معه أقدار الزكوات على مبالغ الحاجات، فالوجه استحثاث الخلق بالموعظة الحسنة، على أداء ما افترض الله عليهم في السنة.

 فإن اتفق مع بذل المجهود في ذلك فقراءُ محتاجون لم تفِ الزكوات بحاجاتهم، فحق على الإمام أن يجعل الاعتناءَ بهم من أهَمّ أمرٍ في باله، فالدنيا بحذافيرها لا تعدل تضرر فقير من فقراء المسلمين في ضر، فإن انتهى نظر الإمام إليهم، رمَّ ما استرم من أحوالهم..

فإن لم يبلغهم نظرُ الإمام، وجب على ذوي اليسار والاقتدار البدارُ إلى دفع الضرار عنهم، وإن ضاع فقير بين ظهراني موسرين، حَرِجوا من عند آخرهم، وباءوا بأعظم المآثم، وكان الله طليبهم وحسيبهم.

وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:  «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يَبيتنَّ ليلةً شبعان وجارُه طاوٍ»([2]).  وإذا كان تجهيز الموتى من فروض الكفايات، فحِفظُ مُهَج الأحياء، وتدارك حُشاشة الفقراء أتم وأهم».

غياث الأمم في التياث الظلَم للجويني:233

([1]) معنى الفقرة: حدث جدب وقحط وآفة، ولم يكن معها رخاء ورخص يجعل الزكاة تفي بالحاجات..

([2])ن مسند البزار : 26/14، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

المصدر