مكانة المساجد في المدن

أضيف بتاريخ 03/09/2021
أقطاب

إن المسجد الجامع كان المركز الذي تدور من حوله الحياة الاجتماعية والدينية والفكرية والاقتصادية. حيث شكل أهم معلم من معالم المدينة الإسلامية، كما كان له الفضل في إضفاء صفة المدينة على أي مركز إسلامي

*- من المسجد إلى الجامع
*- منهج بناء المساجد

*- منهج بناء المساجد
كان أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم عند هجرته إلى المدينة هو بناء مسجد للمسلمين، إذ كان المسجد حينذاك المؤسسة الوحيدة في الدولة الإسلامية الفتية الذي يمثل ببساطته بساطة المجتمع وحداثته، فلا قفل ولا أبواب، ولا سور ولا حجاب. وإنما هو مركز المدينة المنورة وقطب الرحى في مدار الحياة كلها، وكانت مساحته 70 X 60 ذراعاً وجدرانه من اللبن، سقف جزء منه بسعف النخيل وترك الجزء الأخر مكشوفاً وجعلت عمد المسجد من جذوع النخل.

وعلى هذا المنهج سار المسلمون يبنون مساجدهم فيما بعد، فبنوا مسجد البصرة سنة 14هـ، ثم مسجد الكوفة سنة 17 هـ، ومسجد عمرو بن العاص في مدينة الفسطاط سنة 21 هـ، حيث كانت مساحته زمن بنائه 50 X 30 ذراعاً جداره من اللبن وأعمدته من جذوع النخل، وكانت هذه المساجد جميعها يغلب عليها طابع البساطة، خالية من المحاريب المجوفة ومن المنابر والمآذن على غرار مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.

*- من المسجد إلى الجامع
كانت كلمة "المسجد" في العصر الإسلامي الأول تطلق على المكان المخصص لأداء الشعائر التعبدية، إلا أنه ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وتوالي الفتوحات الإسلامية ودخول العديد من الناس في رحاب الإسلام، كثرت المساجد وتعددت حتى في البلد الواحد.

ومع الدولة الأموية سيصبح للفظ الجامع مدلول سياسي، إذ سيطلق على مسجد الدولة الرئيسي الذي كان يعرف باسم المسجد الجامع؛ وهو ذلك المكان الذي كان الخليفة أو من ينوب عنه يؤم فيه المسلمين يوم الجمعة.

ومع تحول الخلافة الإسلامية إلى دمشق سنة 41هـ/(661 م) ستبدأ عملية تشييد المساجد الضخمة والقصور الشامخة، سيما على عهد معاوية مؤسس الدولة الأموية، الذي صمم وأكد العزم على ضرورة تشييد مساجد لا تقل فخامة عن معابد أصحاب الديانات الأخرى..فبنى مسجدا ضخما في دمشق وجعل فيه مختلف النقوش والزخارف وزينه بالرسوم..

فراح المسلمون في مختلف الأمصار يسيرون على هذا النهج في تشييد مساجدهم، فكان عبد الملك بن مروان أبرز من حرص على أن يكون مسجد الصخرة المشرفة أعظم من الكنيسة التي كانت للنصارى.

*- مكانة المساجد في المدن الإسلامية
اتخذت المساجد في مختلف البلاد الإسلامية طابعا جماليا منقطع النظير، بالرغم من تلك التباينات والاختلافات التي قد نلامسها من بلد إلى بلد، ومن شعب إلى شعب إلا أنها في جملتها أجمل ما تقع عليه عين الإنسان في عالم الإسلام، كما يقول الدكتور حسين مؤنس(1) ويضيف قائلا: "فسواء أكنت في قرية صغيرة خافية في بطن الريف، أو مستكنة خلف كثبان الرمال في الصحراء، أو راقدة في لحف جبل، أو كنت في عاصمة كبيرة مترامية الأرجاء، متدفقة الحركة، عامرة بالعمائر الشاهقة، فإن المساجد بمآذنها الدقيقة المنسرحة الذاهبة في الجو مشيرة إلى السماء، وقبابها الأنيقة، تضيف إلى المنظر عنصراً من الجلال والجمال الروحي لا يتأتى له بدونها، فهي تزيل الوحشة عن تواضع مباني القرية وصغرها، وتنفي الجمود عن مباني العواصم... ويتجلى لك ذلك في أصفى صورة ساعة المغيب حيث تضفي المساجد بمآذنها وقبابها ظلالاً جميلة على الشفق الدامي من ورائها... إنه جمال يحس به قلبك أكثر مما تراه عيناك".

ومما لا شك فيه أن مساجد الجامعة قد حظيت باهتمام كبير عند انتقاء مكانها وتمركزها في المدن وتخطيطها، فشكّل المسجد الجامع بذلك مع دار الإمارة في أحايين كثيرة بؤرة المدينة الإسلامية وقلب الحياة ومركز الحركة فيها.

لذا نجد أن المسجد الجامع قد حافظ في كل مدينة إسلامية على موقعه الجغرافي المتميز من حيث توسط مركزه في المدينة الإسلامية، بالرغم من اتساع رقعة المدينة وامتداد أطرافها خارج أسوارها. وقد نبه إلى هذا الأمر المؤرخ المقدسي عندما زار القيروان فقال واصفاً المسجد الجامع فيها: "إنه كان بموضع يسمى السماط الكبير وسط الأسواق في سرة البلد" (2) .

من كل ما سبق نستنتج أن المسجد الجامع كان المركز الذي تدور من حوله الحياة الاجتماعية والدينية والفكرية والاقتصادية. حيث شكل أهم معلم من معالم المدينة الإسلامية، كما كان له الفضل في إضفاء صفة المدينة على أي مركز إسلامي