المعجزة والكرامة

أضيف بتاريخ 01/27/2023
الأشعرية

من فضل الله سبحانه وتعالى وتكرمه وإحسانه أن أيد رسله وأنبياءه بالمعحزات الدالة على صدقهم. من غير وجوب عقلي، لأنه لا يجب على الله شيء من أحد من خلقه، كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة. كما أن من الأمور الجائزة والواقعة عند السادة الأشاعرة كرامات الأولياء، يقول صاحب جوهرة التوحيد:

 

أولا: المعجزة:

المعحزة لغة مأخوذة من العجز، ضد القدرة، وعرفا: فعل الله تعالى الخارق للعادة، المقارن لدعوى الرسالة، متحدي به قبل وقوعه، غير مكذب، يعجز من يبغي معارضته عن الاتيان بمثله.(1)

ويعرفها الشهرستانب بأنها: فعل خارق للعادة، مقترن بالتحدي، سليم عن المعارضة، يتنزل منزلة التصديق بالقول من حيث القرينة.(2)

كما يعرفها أحد شراح الجوهر بأنها: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي الذي هو دعى الرسالة أو النبوة، مع عدم لمعارضة.(3)

ويعرفها سيف الدين الآمدي بأنها:" كل ما قصد به إظهار صدق المتحدي بالنبوة المدعي الرسالة..."(4)


وقد ذكر علماء العقيدة للمعجزة عدة قيود نجملها في الآتي:

• أن تكون قولا –كالقرآن- أو فعلا كنبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم أو تركا، كعدم إحراق النار لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

• أن تكون خارقة للعادة. والعادة ما درج عليه الناس، واستمروا مرة بعد أخرى، فغيرالخارق ليس بمعجزة، كما إذ قال: آية صدقي طلوع الشمس من المشرق وغروبها من حيث تغرب.

ومن هنا تعلم أن المعجزة إنما تخرق أمرا عاديا ليس إلا، ولا شأن لها بقوانين العقل، وبسبب إهمال هذا القيد، مال بعض الكتاب المعاصرين الذين افتتنوا بالمنهج العلمي، ولم يتصورا حقيقة النبوة تصورا شرعيا، إلى إنكار معجزات الأنبياء، ظنا منهم أنها تخالف قوانين العقل.

فإذا لابد : "إذا كان الله جاعل نظام العالم، وكان مختارا في جعله، أن يقدر على تغييره متى شاء. فالله تعالى في عقيدة المؤمن إذا شاء سلب الأشياء ما جرت سننه فيها، ويكون هذا السلب خرقا منه للعادة، لا خرقا للعقل، حتى يكون محالا، فكما تكون إماتة الأحياء من القتلة بإذن الله، يكون إحياء الموتى من أنبياء الله بإذنه، ولا فرق بين الحالين إلا بكثرة وقوع الأول، وقلة وقوع الثاني، مع تساويهما في الإمكان..."(5)

• أن تكون على يدي مدعي النبوة أو الرسالة، فتخرج الكرامة والمعونة والاستدراج والإهانة من حد المعجزة.
فأما الكرامة فهي ما يظهره الله تعالى على يد عبد ظاهر الصلاح. وأما المعونة فهي ما يظهره الله تعالى على يد العوام، تخليصا لهم من شدة. وأما الاستدراج فهو ما يظهر على يد فاسق خديعة ومكرا. وأما الإهانة فهي ما يظهر على يد الفاسق تكذيبا له، كما وقع لمسيلمة الكذاب، فإنه تفل في عين أعور لتبرأ فعميت الصحيحة، وتفل في بئر لتعذب مياهه فغارت.

• أن تكون مقرونة بدعوى النبوة أو الرسالة حقيقة أو حكما بأن تأخرت بزمن يسير.
• أن تكون موافقة للدعوى. وخرج المخالف لها، كما إذا قال: آية صدقي انفلاق البحر، فانفلق الجبل.
• أن لا تكون مكذبة له. فخرج المكذبة، كما إذا قال: آية صدقي: نطق هذا الجماد، فنطق بأنه مفتر كذاب.
• أن تتعذر معارضته. فخرج السحر، ومنه الشعوذة، وهي خفة اليد، يرى أن لها حقيقة، ولا حقيقة لها، إذ السحر ليس من لخوارق، لأنه معتاد عند متعاطي أسبابه.
• أن لا تكون في زمان نقض العادة، كزمن طلوع الشمس من مغربها، خرج أيضا ما يقع من الدجال، كأمره للسماء أن تمطر فتمطر...(6)

ثانيا: الكرامة:

من الأمور الجائزة والواقعة عند الأشاعرة كرامات الأولياء، يقول صاحب جوهرة التوحيد:
وأثبتن للأوليا الكرامة * ومن نفاها فانبذن كلامه

فما معنى الولي ؟وما معنى الكرامة؟
الولي: هو العارف بالله تعالى، المواظب على الطاعة، المجتنب للمعاصي، المعرض عن الانهماك في الملذات والشهوات المباحة. وقد سمي الولي وليا لأن الله تعالى تولى أمره، فلا يكله إلى نفسه ولا إلى غيره لحظة.
الكرامة: هي أمر خارق لعادة تظهر على يد عبد ظاهر الصلاح يلتزم بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم مصحوبا بتصحيح الاعتقاد والعمل الصالح.

ومن الشواهد النقلية الدالة على ثبوت الكرامة قصة مريم عليها السلام وما اختصت به من ضروب الآيات، فقد كان زكرياء صلوات الله عليه يصادف عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، ويقول معجبا: أنى لك هذا. وإلى هذا يشير القرآن الكريم، قال تعالى:" َتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ" [آل عمران : 37]

وقصة أصحاب الكهف وما جرى لهم من الآيات ولم يكونوا أنبياء إجماعا...
وصفوة القول: فقد اتفق أهل الحق على جواز انخراق العادات في حق الأولياء.

*****
المراجع:
(1- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، للجويني، ص، 316، مطبعة الخانجي سنة1950.
(2 - شرح جوهرة التوحيدللباجوري، ص: 340 تحقيق محمد أديب الكيلاني وعبد الكريم تتان.
(3 - الموافق في علم الكلام، للإيجي ص: 370 طبعة عالم الكتب/بيرت بدون تاريخ.
(4 - شرح السنوسية الكبرى، للإمام أبي عبد الله السنوسي، ص: 351.
(5 - الملل والنحل للشهرستاني، 1/102.
(6 - شرح جوهرة التوحيد للباجوري، ص: 298.
(7 - غاية المرام في علم لكلام، لسيف الدين الآمدي، ص:286.
(8 - موقف العقل والعم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، الشيخ مصطفى صبري 4/32.
(9 - شرح جوهرة التوحيد للباجوري، ص: 297.
--------------------------------------------
(1) شرح السنوسية الكبرى، للإمام أبي عبد الله السنوسي، ص: 351.
(2) الملل والنحل للشهرستاني، 1/102.
(3) شرح جوهرة التوحيد للباجوري، ص: 298.
(4) غاية المرام في علم لكلام، لسيف الدين الآمدي، ص:286.
(5) موقف العقل والعم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، الشيخ مصطفى صبري 4/32.
(6) شرح جوهرة التوحيد للباجوري، ص: 297.
(7) شرح جوهرة التوحيدللباجوري، ص: 340 تحقيق محمد أديب الكيلاني وعبد الكريم تتان