مباحث العقيدة الأشعرية: الأنبياء والرسل

أضيف بتاريخ 01/06/2023
الأشعرية


تفضل الله سبحانه وتعالى ، فأرسل الرسل والأنبياء مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة، وأوجب عز وجل على المكلف الإيمان بجميع الرسل دون تفريق بينهم.

ومن الأمور الجائزة على الله تعالى من حيث العقل، ووجوب الإيمان بها من حيث الشرع إرسال جميع الرسل والأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، تفضلا منه سبحانه وتعالى ورحمة (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً). [النساء : 165]

وقد أوجب الله تعالى على المكلف الإيمان بجميع الرسل دون تفريق بينهم فقال سبحانه : (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة : 136].

تعريف كل من الرسول والنبي

الرسول إنسان ذكر حر سليم من منفر طبعا، أوحي إليه بشرع وأمر بتليغه، وقيل له كتاب أو نسخ لبعض شريعة من قبله.

والنبي إنسان ذكر حر سليم من منفر أوحي إليه بشرع مطلقا، وقيل : وأمر بتليغه. فمن أوحي إليه بشرع وأمر بتليغه وله كتاب أو نسخ لبعض شرع من قبله رسول ونبي باتفاق، فإن أمر بالتبليغ وليس له كتاب ولا نسخ كيوشع بن نون وإسماعيل فنبي اتفاقا.(1)

الحاجة إلى الرسل

اعلم أن النبوة وإن كانت جائزة على الله تعالى من حيث العقل غير أنها من أعظم أركان الدين، فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يرسل رسلا تفضلا منه ورحمة لما في ذلك من مصالح دينية ودنيوية.

فقد بعث الله تعالى الرسل لبيان الأحكام التكليقية المتمثلة في أمره ونهيه وإباحته... وليعلموا الناس ويرشدوهم معرفة حقائق التوحيد الخالص، ويدلوهم على الخير والشر، وكل ما يقيم حياتهم على نحو أفضل، ويسلك بهم مسلك النجاة في آخرتهم... خصوصا وأن العقل لا يستقل في إدراك بعض الحقائق الإيمانية التي تندرج ضمن الإيمان بالغيب.
لقد بعث الله الرسل ليكشفوا للعقول :" من شؤون حضرته الرفيعة بما يشاء أن يعتقده العباد فيه، وما قدر أن يكون له مدخل في سعادتهم الأخروية، وأن يبنوا للناس من أحوال الآخرة ما لابد لهم من علمه، معبرين عنه بما تحتمله طاقة عقولهم، ولا يبعد عن متناول أفهامهم، وأن يبلغوا عنه شرائع عامة تحدد لهم سيرهم في تقويم نفوسهم، وكبح شهواتهم، وتعلمهم من الأعمال ما هو مناط سعادتهم وشقائهم في ذلك الكون المغيب عن مشاعرهم بتفصيله، اللاصق علمه بأعماق ضمائرهم في إجماله…(2)

وإذا كان بعث الرسل من القضايا الجائزة لا الواجبة ولا المستحيلة عند الأشاعرة لكن بعد الانبعاث تأييدهم بالمعجزات وعصمتهم من الموبقات من جملة الواجبات...(3)

صفات الرسل

اقتصت حكمة الله تعالى أن يكون الرسل بشرا من جنس المرسل إليهم حتى يكونوا أكثر صلة بالناس وأعرف بمشاعرهم وأحاسيسهم ليكونوا قدوة للناس فيما يبلغونه عن الله عز وجل، واختيار ملك يبلغ رسالة الله إلى الرسول ليبلغها هو إلى الناس شيء طبيعي، ما دام عالم الملائكة مختلفا عن عالم الإنسان . قال تعالى :" قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً [الإسراء : 95].(4)
ومن الصفات الضرورية التي دل الشرع والعقل على ثبوتها للرسل عليهم الصلاة والسلام:

الأمانة: ومعناها حفظ ظواهرهم وبواطنهم من المعاصي والمكروهات. ويعبر علماء العقيدة عن الأمانة بالعصمة أيضا، وهي ملكة نفسانية تمنع صاحبها الفجور.

وبهذا التفسير يكون معنى العصمة: هو حفظ الله تعالى لظواهر الأنبياء وبواطنهم من كل عمل منهي عنه، في الصغر والكبر، قبل النبوة وبعدها. فلا يصدر عنهم ذنب ولا يرتكبون معصية. (5)

ويتفرع عن هذه الصفة الكلام في عصمة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام من خلال العناصر الآتية:
أولا: مفهوم العصمة: العصمة لغة تعني المنع والوقاية والحفظ، وفي اصطلاح علماء العقيدة تعني: حفظ الله تعالى لأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام من الذنب مع استحالة وقوعه.

ثانيا: العصمة قبل النبوة: الذي نرتضاه معتقدا في هذا الموضع أن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كانو معصومين قبل البعثة، فلا يصدر عنهم ذنب بحال. وهذا الامتناع إنما استفدناه من الشرع الحكيم دون العقل، لأن ما يسمى معصية في العرف إنما يكون بعد تقرير الشرع نفسه أنها معصية...

ثالثا: العصمة بعد النبوة: أجمع أهل الحق على عصمة الأنبياء والرسل بعد النبوة، وهذا هو الأليق بخير من اصطفاهم الله تعالى لهداية الناس إلى الطريق المستفيم.

الصدق: وهو ضد الكذب، ومعناه مطابقة الخبر للواقع، أو موافقة الخبر لما في نفس الأمر، إي لما عند الله تعالى، سواء وافق اعتقاد المخبر أم لا.(6)
وإذا كان الصدق واجبا في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام في كل ما يبلغونه ويخبرون عنه فإن اتصافهم بالكذب محال. والدليل على ذلك أنهم لو لم يكونوا صادقين للزم الكذب في خبره تعالى لتصديقه لهم بالمعجزة النازلة منزلة قوله تعالى: صدق عبدي في كل ما يبلغ عني...(7)

الفطانة: ومعناها الحذق وسرعة الفهم والتيقظ لإلزام الخصوم وإبطال دعاويهم ودحض حججهم، بحيث يستطيعون إقامة الدليل على صدق ما يدعون إليه، ويبطلون شبه المخالفين لهم.(8)

وهذا واقع جميع الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) [الأنعام : 83] وقال أيضا: (قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [هود : 32]، وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل : 125].

التبليغ: معناه لغة الإيصال، والمقصود بهذا اللفظ في هذا الموضع أنهم عليهم الصلاة والسلام يبلغون جميع ما أمرهم الله تعالى بتبليغه، ولا يتصور كتمانهم لشيء من ذلك، قال تعالى :" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [المائدة : 67].
فهذه الصفات الأربعة مما يجب على المكلف اعتقادها في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام، واعتقاد استحالة اتصافهم بأضدادها، وهي كما سلف: الصدق، وضده الكذب، والأمانة، وضدها الخيانة، والتبليغ، وضده الكتمان. والفطانة وضدها الغفلة.

وهذه الصفات الأربعة التي أتينا على ذكرها هي المتداولة فى علم التوحيد، وهي من الشروط العقلية للنبوة. أما اللشروط الشرعية العادية فهي البشرية، والحرية، والذكورة، وكمال العقل، والذكاء، وقوة الرأي، والسلامة من كل ما ينفر من الإتباع حال النبوة.

ومنها أيضا كونه أعلم من جميع من بعث إليهم بأحكام الشريعة المبعوث بها أصلية كانت أو فرعية.( 9)

بشرية الرسل
هذه المسألة بالغة الأهمية عند علماء العقيدة، وبسب عناية الإسلام بها لم تجد المعتقدات الوثنية سبيلا لعقول المسلمين، بل لم يعرف الفكر الإسلامي عبر تاريخه تلك الضلالات التي عرفتها بعض الأمم السابقة. كتأليه الأنبياء أو النابغين من المفكرين، فقد أله المسيحيون عيسى عليه السلام، وأله البوذيون بوذا … في حين ظل محمد صلى الله عليه وسلم محافظا على بشريته المتميزة بتلقي الوحي، وأصبح هذا الأمر حقيقة واضحة مسلما بها.( 10)
ولقد تحدث علماء العقيدة عن الصفات الجائزة في حق الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقرروا في هذا الصدد أصلا مهما وهو القول بجواز اتصاف الرسل والأنبياء بسائر الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتبهم أو الإخلال بمقاماتهم العلية كالمرض والعمى والبرص وغير ذلك من الأمور المنفرة ...( 11)
ومن النصوص الدينية التي تعزز هذا الجانب:

قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف : 110].
وقال أيضا: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ) [فصلت : 6].

وقال أيضا: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف : 188].
وقال عز وجل: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [يونس : 49].

وقال أيضا: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:144].
أما دليل جواز وقوع الأعراض البشرية على الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والتي لا تؤدي إلى نقص كما سلف القول، فمشاهدة وواقعة فعلا. وهذا كما يقول بعض العلماء "إما لتعظيم أجورهم أو للتسلي عن الدنيا أو للتنبيه لخسة قدرها عند الله تعالى وعدم رضاه بها دار جزاء لأنبيائه وأوليائه باعتبار أحوالهم فيها عليهم الصلاة والسلام ..." (12 )


--------------------------------------------
(2) رسالة التوحيد الشيخ محمد عبده، ص:150.
(3) الملل والنحل، للشهرستاني، 1/102.
(4) مقارنة الأديان أحمد شلبي ج 3 ص 119.
(5) شرح جوهرة التوحيد الباجوري ص174.
(6) شرح أم البراهين للملالي، ص:77.
(7) شرح جوهرة التوحيد للباجوري، ص:278.
(8)شرح جوهرة التوحيد الباجوري ص 278/ شرح جوهرة التوحيد سليمان القضاة ص162.
(9) شرح جوهرة التوحيد للباجوري، ص:280.
(10)مقارنة الأديان أحمد شبلي . ج 3 ص 119 .
(11) شرح جوهرة التوحيد، للباجوري، ص: 282.
(12) أم البراهين، للسنوسي، مع حاشية الدسوقي، ص:245.