الاجتهاد والتجديد في علم الكلام

أضيف بتاريخ 01/06/2023
الأشعرية


يعد الاجتهاد والتجديد مطلبين شرعيين، وعنصرين متلازمين، تزداد الحاجة إليهما اليوم أكثر من أي وقت مضى، وذلك لحاجة الأمة في ظل أسئلة العصر الملحة إلى العالم المجتهد الذي يجدد لهذه الأمة أمر دينها، ومن ثم قيادتها نحو الأفضل والأكمل والأجمل

لا ريب أن مسألة تجديد الخطاب الديني التي ينادي بها كثير من الدارسين اليوم ليست من أسئلة عصر النهضة الحديثة الذي اشتدت فيه الحاجة إلى فعل التجديد، حيث ارتفعت فيه أصوات المفكرين والمصلحين الاجتماعيين التواقين إلى فعل التجديد بوصفه وسيلة ضرورية للتخلص من براثن الجهل والتخلف في مواجهة أنصار الجمود والتقليد، بل هي دعوة أصيلة من حيث نشأتها ومن حيث أصولها النظرية التي قامت عليها.

ذلك أن الإسلام في عمقه حوار مستمر بين النصوص الدينية الثابتة من جهة والحياة الواقعية المتغيرة من جهة أخرى، أو جدل دائم بين ثابت أزلي متعال، ومتغير متجدد. وبمقتضى هذا الأصل أيضا كانت قضية التجديد من القضايا الأساسية في الخطاب النهضوي الإسلامي الذي نهض بالدعوة له دعاة ومصلحون ومفكرون من مختلف أقطار العالم الإسلامي، تجمع بينهم الرغبة في الإصلاح عن طريق فتح باب الاجتهاد، وإشاعة ثقافة كونية مبنية على أسس شرعية وعقلية. ولا زالت هذه القضية الحيوية – قضية التجديد والاجتهاد- تستأثر باهتمام الباحثين والمفكرين المعاصرين خصوصا مع التطور الهائل الذي شهدته مناهج العلوم الإنسانية والنظم الوضعية التي تروم بدورها تحقيق العدالة الاجتماعية في أحسن صورة.

وقد أخذت فكرة التجديد في جانبها التشريعي والأخلاقي طابعا منهجيا غير مسبوق ظهرت قواعده النظرية بشكل واضح عند الإمام الشاطبي في اكتشافه الرائع لنظرية المقاصد التي عمل على صياغتها صياغـة فلسفية نسقية في كتابه القيم " الموافقات" الذي يعد بحق الإطار المنهجي لقضية التجديد بمعناها الأعم.

ووعيا منا بأهمية التجديد والاجتهاد بوصفهما من الآليات المهمة التي يسعى المتوسل بها والمؤهل لممارستها إلى بحث النوازل والمستجدات وجعلها في صورة تساير روح العصر، في إطار استحضار مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، التي تجعل من بين أهدافها الأساسية تحقيق مقاصدها في الخلق. بمقتضى " أًن الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط " لا ينقطع حتى ينقطع أصل التكليف، وذلك عند قيام الساعة " كما يقول الإمام الشاطبي. فقد تم ارتأينا أن نفتح نقاشا واسعا حول هذا الموضوع الخطير، موضوع التجديد في الكلام السني الذي وضع أسسه المنهجية أئمة الفكر الأشعري