عقيدة أهل السنة في الصحابة

أضيف بتاريخ 12/23/2022
الأشعرية


لقد أدرك أهل السنة والجماعة مكانة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ودورهم في حفظ الشريعة، وأن النيل منهم والطعن فيهم مدخل لهدم الدين من الأساس، ومن ثم رأيناهم يخصصون مبحثا في آخر مؤلفاتهم العقدية – وهو مبحث ليس من صميم العقيدة - للخلاف الذي جرى بين الصحابة رضي الله عنهم والدعوة إلى فهم ذلك كله في سياقه التاريخي، وفي نطاق استحضار قيم الاختلاف المحمود الناتج عن الاجتهاد الذي وصفوا به جميعهم، على أن الأسلم للدين عدم الخوض في شيء من ذلك. لأنه كما قال بعض المعتبرين:" تلك دماء طهر الله سيوفنا منها، أفلا نطهر ألسنتنا."(1 )

أما علماء الحديث فقد أجمعوا على عدالة الصحابة رضي الله عنهم لاشك في صحة جميع ما يروونه. كما اعتبر علماء الأصول قول الصحابي مصدرا من مصادر التشريع الإسلامي...

وفيما يلي جملة من أقول أهل السنة والجماعة في الصحابة:

• قال الإمام أبو حنيفة النعمان (تـ150ﻫ) في كتابه "الفقه الأكبر:" وأفضل الناس بعد النبيين عليهم الصلاة والسلام: أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب الفاروق، ثم عثمان بن عفان ذو النورين، ثم علي بن أبي طالب المرتضى، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، عابدين ثابتين على الحق ومع الحق كما كانوا. نتولاهم جميعا ولا نذكر أحدا من أصحاب رسول الله إلا بخير".(2)

• وجاء في وصيته -رحمه الله- في التوحيد "ونقر بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضوان الله عليهم أجمعين، لقوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيِم} [الواقعة: 10،12] وكل من كان أسبق فهو أفضل. ويحبهم كل مؤمن تقي، ويبغضهم كل منافق شقي."( 3)

• جاء في كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل (تـ241ﻫ) "ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين، والكف عن ذكر مساوئهم والخلاف الذي شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أحدا منهم فهو مبتدع ... لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة... ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الأربعة خير الناس، ولا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص..."(4)

• قال الإمام أبو جعفر الطحاوي (تـ321ﻫ) في عقيدته المسماة "بيان السنة والجماعة"" ونحب أصحاب رسول الله، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، ونثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا لأبي بكر رضي الله عنه تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم لعثمان رضي الله عنه، ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون..." (5)

• قال الإمام أبو الفضل عبد الواحد بن عبد العزيـز بـن الحارث التميمي (تـ410ﻫ) في كتابه "اعتقاد الإمام المنبَّل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" ولا نبرأ من عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يجمع المسلمون على التبرئ منها".(6 )

• قال الإمام الأشعري (تـ324ﻫ) في كتابه "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين" حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة "... ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله سبحانه لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم، ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليا رضوان الله عليهم، ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم.."(7)

• وقال في رسالته إلى أهل الثغر: "وأجمعوا –أهل السنة- على أن خير القرون قرن الصحابة، ثم الذين يلونهم على ما قال صلى الله عليه وسلم "خيركم قرني" وعلى أن خير الصحابة أهل بدر، وخير أهل بدر العشرة، وخير العشرة الأئمة الأربعة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم... وأجمعوا على الكف عن ذكر الصحابة عليهم السلام إلا بخير ما يذكرون به، وعلى أنهم أحق أن ينشر محاسنهم، ويلتمس لأفعالهم أفضل المخارج، وأن نظن بهم أحسن الظن، وأحسن المذاهب... وأجمعوا على أن ما كان بينهم من الأمور الدنيا لا يسقط حقوقهم..."(8)

• وقال أيضا في كتابه "الإبانة عن أصول الديانة": "الكلام في إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:" وإذا وجبت إمامة أبي بكر رضي الله عنه، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب أنه أفضل المسلمين... وإذا ثبتت إمامة الصديق رضي الله عنه ثبتت إمامة الفاروق رضي الله عنه، وكان أفضلهم بعد أبي بكر رضي الله عنهما. وثبتت إمامة عثمان رضي الله عنه بعد عمر رضي الله عنه... وثبتت إمامة علي رضي الله عنه بعد عثمان رضي الله عنه... هؤلاء هم الأئمة الأربعة المجمع على عدلهم وفضلهم رضي الله عنهم أجمعين... فأما ما جرى من علي والزبير وعائشة رضي الله عنهم أجمعين فإنما كان على تأويل واجتهاد وعلى الإمام. وكلهم من أهل الاجتهاد.وقد شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة والشهادة، فدل على أنهم كلهم كانوا على حق في اجتهادهم، وكذلك ما جرى بين سيدنا على ومعاوية رضي الله عنهما فدل على تأويل واجتهاد.

وكل الصحابة أئمة مأمونون، غير متهمين في الدين، وقد أثنى الله ورسوله عليهم جميعهم. وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم. والتبرئ من كل من ينقص أحدا منهم رضي الله عنهم أجمعين."(9)

• وقال في الخلاف الذي جـرى بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين: "... كل مجتهد مصيب، وكلهم على الحق، وأنهم لم يختلفوا في الأصول، وإنما اختلفوا في الفروع، فـأدى اجتهاد كل واحد منهم إلى شيء، فهو مصيب ولـه الأجر والثـواب على ذلك ."(10)

• قال الإمام أبو عبد الله عبد الرحمن بن أبي زيد القيرواني (تـ386ﻫ) في الرسالة" باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات " ... وأن خير القرون القرنُ الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. وأفضل الصحابة رضي الله عنهم الخلفاء الراشدون المهديون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين. ويجب أن لا يُذكَرَ أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يُلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب، والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم واتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم والاستغفار لهم، وترك المراء والجدال في الدين، وترك كل ما أحدثه المحدِثُونَ..."(11)

• قال القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني (تـ403 ﻫ): في كتابه "الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به"... ويجب أن يعلم أن إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومقدم الخلق أجمعين من الأنصار والمهاجرين، بعد الأنبياء والمرسلين: أبو بكر رضي الله عنه... ثم من بعده على هذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لاستخلافه إياه... وبعده أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لإجماع المسلمين أنه من جملة الستة الذين نص عمر عليهم... وبعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه...

والدليل على إثبات الإمامة للخلفاء الأربعة رضي الله عنهم على الترتيب الذي بيناه: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلام الدين، ومصابيح أهل اليقين، شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم خير القرون فقال:" خير القرون قرني" فلما قدموا هؤلاء الأربعة على غيرهم ورتبوهم على الترتيب المذكور، علمنا أنهم رضي الله عنهم لم يقدموا أحدا تشهيا منهم، وإنما قدموا من قدموه لاعتقادهم كونه أفضل وأصلح للإمامة من غيره في وقت توليه.

ويجب أن يعلم أن ما جرى بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم من المشاجرة نكف عنه، ونترحم على الجميع، ونثني عليهم... ويجب أن يعلم أن خير الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الصحابة العشرة الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عن الجميع وأرضاهم، ونقر بفضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك نعترف بفضل أزواجه رضي الله عنهن، وأنهن أمهات المؤمنين كما وصفهن الله تعالى ورسوله، ونقول في الجميع خيرا...(12)

• قال القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي المالكي (تـ422ﻫ) في شرحه لعقيدة ابن أبي زيد القيرواني عند الإمام:" ولا يذكر أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأحسن الذكر، والإمساك عما شجر بينهم" قال القاضي:" هذا لأن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أوجب علينا تعظيمهم وموالاتهم ومدحهم والثناء عليهم وتفضيلهم، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] وقال {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] الآية.

وقال {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ} إلى قوله {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ} [الحشر: 8،9] وقوله: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة: 117] وقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [آل عمران: 110] وكل هذا مدح وثناء وتعظيم وتشريف، فوجب علينا إمساك ذلك فيهم. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم ... "لا تؤذوني في أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا لما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".(13)

• قال الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي (تـ429ﻫ) في كتابه "الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم" الفصل الثالث في بيان الأصول التي أجمع عليها أهل السنة. الركن الثاني عشر المضاف إلى الخلافة والإمامة "... وقالوا بإمامة أبي بكر الصديق بعد النبي صلى الله عليه وسلم... وقالوا بتفضيل أبي بكر وعمر وعلي من بعدهما، وإنما اختلفوا في التفاضل بين علي وعثمان رضي الله عنهما، وقالوا بمولاة عثمان وتبرءوا ممن أكفره، وقالوا بإمامة علي في وقته...(14)

• وقال أيضا في الفصل الرابع من هذا الكتاب في قولنا في السلف الصالح من الأمة:" أجمع أهل السنة على إيمان المهاجرين والأنصار من الصحابة... وأجمع أهل السنة على أن من شهد مع رسول الله عليه السلام بدرا من أهل الجنة، وكذلك كل من شهد معه أُحُدا غير قزمان الذي استثناه الخبر، وكذلك كل من شهد معه بيعة الرضوان بالحديبية...وقالوا بمولاة جميع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم".(15)

• وقال كذلك في كتابه "أصول الدين" المسألة السادسة من هذا الأصل في بيان الأفضل من الصحابة:" أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم الستة الباقون بعدهم إلى تمام العشرة، وهم: طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن أبي زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، ثم البدريون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية".(16)

• قال الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسن بن علي بن موسى البيهقي (تـ458ﻫ) في كتابه "الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد" "القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله ورضي عنهم:

قال الله تبارك وتعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}. [الفتح: 29]

فأثنى عليهم ربهم وأحسن الثناء عليهم، ورفع ذكرهم في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، ثم وعدهم بالمغفرة والأجر العظيم فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح: 29] وأخبر في آية أخرى برضاه عنهم ورضاهم عنه، فقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [التوبة: 100] ثم بشرهم بما أعد لهم فقال: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100] وأمر رسولَ اللهصلى الله عليه وسلم بالعفو عنهم، والاستغفار لهم، فقال: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران: 159]

وأمرَه بمشاورتهم تطييبا لقلوبهم، وتنبيها لمن بعده من الحكام على المشاورة في الأحكام، فقال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159] وندب من جاء بعدهم إلى الاستغفار لهم، وأن لا يجعل في قلوبهم غلا للذين آمنوا فقال: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10] ... ثم إنه صلى الله عليه وسلم شهد بكونهم خير أمته فقال في رواية عبد بن مسعود عنه، وفي رواية عائشة وعمران بن حصين وأبي هريرة: "خير الناس قرني" وفي بعضها "خير أمتي القرن الذي بعثت فيه" ... عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم انفق مثل أُحُد ذهبا ما بلغ مُد أحدهم، ولا نصيفه، ولا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر"...(17)

• قال إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني (تـ478ﻫ) في كتابه "الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد" فصل: الطعن في الصحابة "... وقد كثرت المطاعن على أئمة الصحابة وعظم افتراء الرافضة وتخرصهم. والذي يجب على المعتقد أن يلتزمه، أن يعلم أن جلة الصحابة كانوا من الرسول صلى الله عليه وسلم بالمحل المغبوط، والمكان المحوط، وما منهم إلا وهو منه ملحوظ محفوظ. وقد شهدت نصوص الكتاب على عدالتهم والرضا عن جملتهم بالبيعة بيعة الرضوان، نص القرآن على حسن الثناء على المهاجرين والأنصار.

فحقيق على المتدين أن يستصحب لهم ما كانوا عليه في دهر الرسول صلى الله عليه وسلم..."(18)

• قال الإمام أبو اليسر محمد البزدوي (تـ493ﻫ) في كتابه "أصول الدين" مسألة: الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم": قال أهل السنة والجماعة: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان خليفة رسول الله بعد موته في تنفيذ الأحكام ومنع الظالم عن الظلم وإنصاف المظلوم... وكان خليفة حقا... وإذا ثبتت خلافة أبي بكر ثبتت خلافة عمر رضي الله عنهما بعده، فإن أبا بكر استخلفه وإذا ثبتت خلافته صح استخلافه... وإذا ثبتت خلافة أبي بكر وعمر ثبتت خلافة عثمان رضي الله عنهم بعدهما.

فإن عمر لما قرُبَ من الموت اختار من جملة الصحابة خمسة نفر فيهم عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وجعل الخلافة فيهم ولم يختر واحدا منهم... – كما- ثبتت خلافة علي رضي الله عنه بعدهم باختيار عمر وإجماع الصحابة حين رضوا باختياره رضي الله عنهم... قال عامة أهل السنة والجماعة: إن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد جميع الأنبياء والرسل -صلوات الله عليهم- أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي."(19)

• قال الإمام أبو المظفر الاسفرايني (تـ481ﻫ) في كتابه "التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين" : الباب الخامس في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة وبيان مفاخرهم ومحاسن أحوالهم: "... وأن تعلم أن الإجماع حق، وما اجتمع عليه الأمة يكون حقا مقطوعا على حقيقته قولا كان أو فعلا... وأن تعلم أن من جملة ما اجتمع عليه المسلمون أن عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا من أهل الجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، رضي الله عنهم أجمعين.

وأجمعوا على أن نساءه وأولاده وأحفاده كلهم كانوا من أهل الجنة، وأنهم كانوا مؤمنين، وأنهم كانوا من أعـلام الدين، لم يكتموا شيئا من القرآن ولا من أحكام الشريعة. وكذلك أجمعوا على خلافة الخلفاء الأربعة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أنهم لم يكتموا شيئا من القرآن والشريعة، بل ساروا على أحسن سيرة، ووفقوا بحسن السعي في تثبيت المسلمين على الدين... والأخبار في فضل الصحابة رضي الله عنهم أكثر من أن يحتمله هذا المختصر، والمقصود ههنا أن تعلم أن الخلفاء الراشدين كانوا على الحق، وأن جملة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا محقين، مؤمنين، مخلصين، صادقين، وكان تقديمهم لمن قدموه وتقريرهم في ما قرروه حقا وصدقا، وكلهم كانوا يقولون لأبي بكر رضي الله عنه يا أمير المؤمنين، وكانوا يخاطبون عمر، وعثمان، وعليا، وكذلك علي رضي الله كان يخاطبهم بذلك وكان يخاطب بمثله في إيامه."(20)

• قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (تـ505ﻫ) في كتابه "الاقتصاد في الاعتقاد" الطرف الثالث: في شرح عقيدة أهل السنة في الصحابة والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم: "اعلم أن للناس في الصحابة والخلفاء إسراف في أطراف، فمن مبالغ في الثناء حتى يدعي العصمة للأئمة، ومنهم متهجم على الطعن بطلق اللسان بذم الصحابة. فلا تكن من الفريقين، واسلك طريق الاقتصاد في الاعتقاد، واعلم أن كتاب الله مشتمل على الثناء على المهاجرين والأنصار، وتواترت الأخبار بتزكية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بألفاظ مختلفة... كقوله " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم" ... وما من واحد إلا وورد عليه ثناء خاص في حقه يطول نقله، فينبغي أن تستصحب هذا الاعتقاد في حقهم، ولا تسئ الظن بهم كما يحكى عن أحوال تخالف مقتضى حسن الظن. فأكثر ما ينقل مخترع بالتعصب في حقهم ولا أصل له، وما ثبت نقله فالتأويل متطرق إليه ولم يجز مالا يسع العقل لتجويز الخطأ والسهو فيه، وحمل أفعالهم على قصد الخير وإن لم يصيبوه ...هذا حكم الصحابة عامة. فأما الخلفاء الراشدون فهم أفضل من غيرهم، وترتيبهم في الفضل عند أهل السنة كترتيبهم في الإمامة." (21)

• قال أبو الحسن علي بن عبيد الله بن الزاغوني (تـ527 ﻫ) في كتابه "الإيضاح في أصول الدين": "فصل: ووجه اختيار الصحابة لأبي بكر أنه كان أفضلهم، وقد رويت له من الفضائل ما لم يشاركه فيها أحد.

فصل: قد ثبت أن بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه حضرها جميع أهل العقد والحل، وأنه لم يختلف فيها اثنان من الصحابة.

فصل: فأما الخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنها كانت لعمر بن الخطاب بوصيته إليه، وكان قد وضعها في حقها. وكان عمر رضي الله عنه بعد موت أبي بكر أفضل الناس كلهم.

فصل: فأما خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جُرحَ جعل الخلافة في ستة رهط من المهاجرين، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض: عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وأقام في المحراب صهيب وقال للستة: من اجتمعتم عليه فهو إمامكم. فاجتمعوا بالرضا والاتفاق على عثمان، وأول من بايعه عبد الرحمن بن عوف، وعلي بن أبي طالب، وباقي الرهط، وتتابع ذلك فلم يختلف في بيعته اثنان، وهذا يدل على أنها انعقدت له بالإجماع.

فصل: فأما خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنها كانت بالإجماع، وذلك أن أهل العقد والحل عقدوها لعلي بعد قتل عثمان، وكانت الخلافة في أهلهل ومستحقها، وكان أعلم الناس في زمان الخلافة..."(22)

قال الإمام نجم الدين أبو حفص عمر بن محمد النسفي (تـ537ﻫ) في كتابه "بالعقائد النسفية" "ونكف عن ذكر الصحابة، إلا بخير... ونشهد بالجنة للعشرة المبشرة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم." قال العلامة سعد الدين التفتزاني (تـ791ﻫ) في شرحه للعقائد النسفية:" وسائر الصحابة لا يذكرون إلا بخير، ويرجى لهم أكثر مما يرجى لغيرهم من المؤمنين..."(23)

• قال الحافظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني المقدسي (تـ600ﻫ) في كتابه "الاقتصاد في الاعتقاد" المفاضلة بين الخلفاء الراشدين: "ونعتقد أن خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبُه الأخصُ، وأخوه في الإسلام، ورفيقه في الهجرة والغار أبو بكر الصديق وزيره في حياته، وخليفته بعد وفاته... ثم الفاروق أبو حفص عمر بن الخطاب الذي أعز الله به الإسلام وأظهر الدين. ثم بعده ذو النورين أبو عبد الله عثمان بن عفان الذي جمع القرآن... ثم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنُهُ علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم، فهؤلاء الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون، ثم الستة الباقون من العشرة: طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح رضوان الله عليهم. فهؤلاء العشرة الكرام البررة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة، فنشهد لهم بها كما شهد لهم بها، اتباعا لقوله، وامتثالا لأمره..." (24)

• قال الإمام أبو الحسن علي بن أحمد بن خمير السبتي (تـ614ﻫ) في كتابه "مقدمات المراشد إلى علم العقائد" فصل في فضل الصحابة والخلفاء": وأما فضل الصحابة رضي الله عنهم فلا يتعدد ما جاء في فضلهم وتقدمهم، قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة: 100] ... فأفضل الصحابة المتقدمون، وأفضل المتقدمين البدريون، وأفضل البدريين أصحاب الشجرة الذين رضي الله عنهم، عند بيعة الرضوان، وأفضل العشرة الأربعة الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الخلفاء أبو بكر رضي الله عنه..."(25)

• قال الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن سالم المعروف بسيف الدين الآمدي (تـ631ﻫ) في كتابه "غاية المرام في علم الكلام": الطرف الثاني: في معتقد أهل السنة في الصحابة وإمامة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين "ولا خلاف فيما بين أهل الحق أن أبا بكر كان إماما حقا، وذلك باتفاق المسلمين على إمامته، واجتماع أهل الحق والعقد على إمامته...وأما باقي الخلفاء الراشدين كعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين فالسبيل إلى إثبات إمامتهم، وصحة توليهم، واستجماعهم لشرائط الإمامة كإثبات ذلك في حق أبي بكر رضي الله عنه...

فالواجب أن يحسن الظن بأصحاب الرسول، وأن يكف عما جرى بينهم، وألا يحمل شيء مما فعلوه أو قالوه إلا على وجه الخير، وحسن القصد، وسلامة الاعتقاد، وأنه مستند إلى الاجتهاد، لما استقر في الأسماع، وتمهد في الطباع، ووردت به الأخبار والآثار، متواترة وآحاد، من غرر الكتاب والسن، واتفاق الأمة على مدحهم، والثناء عليهم بفضلهم، مما هو في اشتهاره يغني عن إظهاره..."(26)

وقال أيضا في كتابه "أبكار الأفكار في أصول الدين" الفصل الثامن في التفضيل"... فذهب أهل السنة وأصحاب الحديث إلى أن أبا بكر أفضل من عمر، وعمر أفضل من عثمان، وعثمان أفضل من علي، وعلي أفضل من باقي العشرة، والعشرة أفضل من باقي الصحابة، والصحابة أفضل من التابعين، والتابعين أفضل من بعدهم، لقوله صلى الله عليه وسلم "خير القرون القرن الذي أنا فيه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه".(27)

• قال الإمام أبو عمرو عثمان تقي الدين بن الصلاح (تـ643ﻫ) في كتابه المشهور "علوم الحديث": "النوع التاسع والثلاثون: معرفة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين: الثانية: للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يسئل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة، قال الله تبارك وتعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ...} [آل عمران: 110] قيل: اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّـَةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَـدَاء عَلَى النَّاسِ ...} [البقرة: 143] وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ...

وفي نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة، منها: حديث أبي سعيد المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مُد أحدهم ولا نَصيفه".

ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ومن لامس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانا للظن بهم، ونظرا لما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح لهم الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة والله أعلم."(28 )

• قال القاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي (تـ756ﻫ) في كتابه "المواقف في علم الكلام" : "... المقصد السابع: أنه يجب تعظيم الصحابة كلهم، والكف عن القدح فيهم، لأن الله عظمهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه، والرسول قد أحبهم وأثنى عليهم في أحاديث كثيرة.

ثم إن من تأمل سيرتهم، ووقف على مآثرهم، وجدهم في الدين ، وبذلهم أموالهم وأنفسهم في نصرة الله ورسوله، لم يتخالجه شك في عظم شأنهم وبراءتهم عما ينسب إليهم المبطلون من المطاعن، ومنعه ذلك عن الطعن فيهم، وأرى ذلك مجانبا للإيمان. ونحن لا نلوث كتابنا بأمثال ذلك... " (29)

• قال الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المعروف بالشاطبي (تـ790ﻫ) في كتابه "الموافقات": "المسألة التاسعة: سنة الصحابة رضي الله عنهم يعمل بها ويرجع إليها.

والدليل على ذلك أمور:

أحدها: ثناء الله عليهم من غير مَثنَوية ومَدحهم بالعدالة وما يرجع إليها كقوله تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة: 143 الآية] ففي الأولى إثبات الأفضلية على سائر الأمم، وذلك يقتضي باستقامتهم في كل حال، وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة، وفي الثانية إثبات العدالة مطلقا، وذلك يدل على ما دلت عليه الأولى…

الثاني: ما جاء في الحديث من الأمر باتباعهم، وأن سنتهم في طلب الاتباع كسنة النبي صلى الله عليه وسلم، كقوله "... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ "...

الثالث: أن جمهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجيح الأقوال، فقد جعل طائفة قول أبي بكر وعمر حجة ودليلا، وبعضهم عد قول الخلفاء الأربعة دليلا، وبعضهم يعد قول الصحابة على الإطلاق حجة ودليلا، ولكل قول من هذه الأقوال متعلق من السنة.

الرابع: ما جاء في الأحاديث من إيجاب محبتهم، وذم من أبغضهم، وأن من أحبهم فقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أبغضهم فقد أبغض النبي صبى الله عليه وسلم، وما ذاك من جهة كونه رأوه أو جاوروه أو حاوروه فقط إذ لا مزية في ذلك، وإنما هو لشدة متابعتهم له، وأخذهم أنفسهم بالعمل على سنته، وحمايته ونصرته، ومن كان بهذه المثابة حقيق أن يُتخَذ قدوة وتجعل سيرته قبلة، ولما بالغ مالك في هذا المعنى بالنسبة إلى الصحابة أو من اهتدى بهديهم، واستن بسنتهم جعله الله تعالى قدوة لغيره في ذلك، فقد كان المعاصرون لمالك يتبعون آثاره، ويقتفون بأفعاله، ببركة اتباعه لمن أثنى الله ورسوله عليهم، وجعلهم قدوة أو من اتبعهم رضي الله عنهم ورضوا عنه..." (30)

• قال الإمام أبو عبد الله السنوسي (تـ895ﻫ) في كتابه "المسمى عمدة أهل التوفيق والتسديد" الشهير بالسنوسية الكبرى: "... والصحابة رضي الله عنهم كلهم أئمة عدول بأيهم اقتديتم اهتديتم، نفعنا الله بحبهم وأماتنا على سنتهم..."(31)

• قال الإمام إبراهيم اللقاني (تـ1631ﻫ) في منظومته المسماة "جوهرة التوحيد"

وَصَحْبُهُ خَيْرُ الْقُرُونِ فَاسْتَمِعْ فَتَابِعِيْ فَتَابِع ٌلِمَنْ تَبِعْ

وَخَيْرُهُمْ مَنْ وُلِّيَ الْخِلاَفَةْ وَأَمْرُهُمْ فِي الْفَضْلِ كَالْخِلاَفَةْ

يَلِيهِمُ قَوْمٌ كِرَامٌ بَرَرَةْ عِدَّتُهُمْ سِتٌّ تَمَامُ الْعَشرَةْ

فَأَهْلُ بَدْرٍ الْعَظِيمِ الشَّانِ فَأَهْلُ أُحْدٍ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ

وَالسَّابِقُونَ فَضْلُهُمْ نَصّاً عُرِفَ هَذَا وَفِي تَعْيِينِهِمْ قَدِ اخْتُلِفْ

وَأَوَّلُ التَّشَاجُرِ الذِي وَرَدْ إِنْ خُضْتَ فِيهِ وَاجْتَنِب دَاءَ الْحَسَدْْ(32)

• قال الإمام الباجوري في شرحه لهذه الأبيات:

"وَصَحْبُهُ خَيْرُ الْقُرُونِ": أي فأفضل القرون المتقدمة والمتأخرة –ما خلا النبيين والرسل- أصحابه...

"وخيرهم من ولي الخلافة": أي أفضل الصحابة النفر الذي ولي الخلافة العظمى، وهي النيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم في عموم مصالح المسلمين... فأفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم...

"يَلِيهِمُ": أي آخر من ذكر ست رجال كرام بررة، فيصبح العدد عشرة، وهم المبشرون بالجنة. وإن كان المبشرين بالجنة كثيرين، إلا أنه ذكر العشرة –هنا- لأنهم جمعوا في حديث مشهور...

"فَأَهْلُ بَدْرٍ": فرتبتهم تلي رتبة الستة من العشرة، ولا فرق بين من استشهد فيها- وهم أربعة عشر رجلا، ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار- وبين من لم يستشهد فيها...

فَأَهْـلُ أُحْدٍ: فمرتبتهم تالية لمرتبة أهل غزوة بدر، والمراد من شهدها من المسلمين، سواء استشهد بها- كالسبعين- أم لا...

بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ: فرتبتهم تلي رتبة أهل غزوة أحد...

والسابقون فضلهم نصا عرف: المعنى أن المتقدمين الأولين قد عرف فضلهم، بمعنى كثرة ثوابهم على غيرهم ممن لم يشركهم في هذه الصفة- من نص القرآن الكريم لقوله تعالى: {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10] ...

"هَذَا وَفِي تَعْيِينِهِمْ قَدِ اخْتُلِفْ": أي افهم هذا، وقد اختلف في تعيين السابقين مَن هم ؟ فقال أبو موسى الأشعري وغيره: هم من الأكابر الذين صلوا إلى القبلتين، وهذا قول الأكثر وهو الأصح... وأول التشاجر: قد وقع تشاجر بين سيدنا علي وسيدنا معاوية رضي الله عنهما، ... وقد قال العلماء: المصيب بأجرين، والمخطئ بأجر، وقد شهد الله تعالى ورسوله لهم بالعدالة، ويصرف المكلف ما وقع بينهم إلى محمل حسن، لتحسين الظن بهم، فإنهم كانوا مجتهدين فيما حصل... (33)

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

(1) - أبكار الأفكار في أصول الدين، للإمامة سيف الدين الآمدي، ج 5 295

(2) - الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة النعمان، تحقيق زاهد الكوثري، ص 621، ضمن كتاب: العقيدة وعلم الكلام من أعمال الإمام محمد زاهد الكوثري .

(3) - وصية الإمام أبي حنيفة في التوحيد، تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري، ضمن كتاب "العقيدة وعلم الكلام" من أعمال الشيخ محمد زاهد الكوثري، ص:636.

(4) - كتاب السنة لأحمد بن حنبل، ص 77،78 نقلا عن كتاب "جمع الفنون في شرح جملة متون لعقائد أهل السنة والجماعة على المذاهب الأربعة" تأليف: د. محمد عبد الرحمن الخميس، المبحث الرابع عقيدة الإمام أحمد في الصحابة 4/15

(5) - متن العقيدة الطحاوية المسماة " بيان السنة والجماعة"

(6) - اعتقاد الإمام المنبل أبي عبد الله احمد بن حنبل، ص 66.

(7) - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، للإمام الأشعري، ص 294.

(8) - رسالة إلى أهل الثغر، للإمام الأشعري، ص 299، 307.

(9) - الإبانة عن أصول الديانة، للإمام الأشعري، ص 251، 260

(10) - تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام الأشعري، لابن عساكر الدمشقي، (تـ571) "باب ما وصف به – الإمام الأشعري- من مجانبته لأهل البدع واجتهاده، وذكر ما عرف عنه من نصيحته للأمة، وصحة اعتقاده" ص 148.

(11) - باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات متن الرسالة في الفقه المالكي، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ص21.

(12) - الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، للباقلاني، ص: 64،69 /أنظر أيضا كتابه "التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة، ص: 187، 227 (الكلام في إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين)، تحقيق محمود محمد الخضري ومحمد عبد الهادي أبي ريدة، دار الفكر العربي.

(13) - شرح عقيدة ابن أبي زيد القيرواني في كتاب الرسالة، للقاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي المالكي، تحقيق أحمد محمد نور سيف، ص412

(14) - الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم، للإمام عبد القاهر بن طاهر البغدادي، ص 341،342.

(15) - الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم، للإمام عبد القاهر بن طاهر البغدادي، ص 352.

(16) - أصول الدين، للإمام عبد القاهر بن طاهر البغدادي، ص 304.

(17) - الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، 437.

(18) - الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، للإمام الجويني، ص 432.

(19) - أصول الدين، لأبي اليسر محمد البزدوي، ص: 183، 190.

(20) - التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، لأبي المظفر الاسفرايني، ص: 177 ، 180.

(21) - الاقتصاد في الاعتقاد، للإمام الغزالي،ص: 152.

(22)- الإيضاح في أصول الدين، تأليف أبو الحسن علي بن عبيد الله بن الزاغوني، ص617،629

(23) - العقائد النسفية بشرح العلامة سعد الدين التفتزاني، ص 102.

(24)- الاقتصاد في الاعتقاد للحافظ تقي الديني عبد الغني المقدسي، ص 198،499. والخَتَنُ: الصهر. أنظر القاموس المحيط للفيروزبادي فصل الخاء، باب النون.

(25) - مقدمات المراشد إلى علم العقائد، لابن خمير السبتي، ص 384، تحقيق، د. جمال علال البختي.

(26) - غاية المرام في علم الكلام، سيف الدين الآمدي، ص328.

(27) - أبكار الأفكار لسيف الدين الآمدي ، 5/298.

(28) - مقدمة ابن الصلاح ، النوع التاسع والثلاثون، معرفة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

(29) - المواقف في علم الكلام، للقاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، ص413.

(30) - الموافقات للإمام الشاطبي، 4 / 48

(31)- شرح السنوسية الكبرى، المسمى "عمدة أهل التوفيق والتسديد" للإمام أبي عبد الله السنوسي، ص 409.

(32) - جوهرة التوحيد للإمام القاني بشرح الإمام إبراهيم الباجوري، ص 325،335

(33) - شرح جوهرة التوحيد، للإمام الباجوري، 325، 335