فقه نصوص العقيدة : المناظرة الأولى

أضيف بتاريخ 02/17/2023
الأشعرية


تبين هذه المناظرة التي دارت بين الإمام المجدد أبي الحسن الأشعري وأبي علي الجبائي أحد أئمة الفكر الاعتزالي، بجلاء مدى ارتباط المذهب الأشعري بالكتاب والسنة

قال الشيخ أبو الحسن الأشعري - رضي الله عنه- أتى رجل إلى الجبائي وأنا عنده، فقال له:
لمَ منعتَ أن يتسمى الله الباري تعالى عاقلا ؟

فقال الجبائي: لأن العاقل في اللغة مأخوذ من العقال، وهو المانع، فلما استحال المنع على الله تعالى لم نسمه عاقلا.

قال أبو الحسن الأشعري: فقلت له:
إن كانت العلة هذه، فلا يُسمى الباري تعالى حَكَما، لأن الحكمة في أصل اللغة مشتقة من حكمة اللجام، وهي الحديدة التي في فم الدابة، تمنعها من السير، ومنه سُمي الحاكم حاكما لمنعه من الظلم...
فقال الجبائي:
فلم منعتَ أن تسمي الباري تعالى عاقلا ؟
فقلت له الإمام الأشعري:
من أجل أن التوقيف لم يرد به، وإنما أُخذت أسماؤه تعالى توقيفا، فلو ورد لم نمنعه...
وحسب رواية ابن السبكي: قال الإمام الأشعري للجبائي: لأن طريقي في أخذ أسماء الله الإذن الشرعي، دون القياس اللغوي، فأطلقت "حكيما" لأن الشرع أطلقه، ومنعت "عاقلا" لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقته.
فسكت الجبائي ولم يرد جوابا[2]

التعليق:
تبين هذه المناظرة بجلاء مدى ارتباط المذهب الأشعري بالكتاب والسنة. فقد رفض الإمام الاشعري كما رأينا إطلاق اسم "عاقل" على الله تعالى، لأن الشرع الحكيم لم يأذن بإطلاق هذا الإسم على الخالق عز وجل. وفي المقابل يقبل بإطلاق اسم "حكيم" أو "حكم" عليه سبحانه، لأن الشرع الحكيم أطلق عليه ذلك.
وعلى هذا الأساس يعتقد السادة الأشاعرة أن أسماءه تعالى توقيقية، أي يتوقف جواز إطلاق الأسماء عليه تعالى على ورودها في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة. يقول صاحب جوهرة التوحيد:
واختير أن اسماه توقيفية *** كذا الصفات فاحفظ السمعية
--------------------------------------------
[1] عيون المناظرات، للسكوني ص: 228 تحقيق سعد غراب/ طبقات الشافعية للسبكي 2/251