فقه نصوص العقيدة : الحديث الأول: حديث النزول

أضيف بتاريخ 03/10/2023
الأشعرية


يستحيل حمل حديث النزول على النزول المادي الذي يفتقر إلى ثلاثة عناصر، وهي: جسم عال، هو مكان لساكنه، وجسم سافل، وجسم متنقل من علو إلى أسفل، وهذا كله لا يجوز على الله تعالى

روى مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له". (الموطأ كتاب الصلاة، ما جاء في الدعاء، صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء نصف الليل، حديث رقم: 6321)

أولا: سند الحديث:
هذا الحديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد لم يختلف أهل الحديث في صحته.[1] وقد رواه عشرون صحابيا.[2]

ثانيا : متن الحديث:
ذكر العلماء لهذا الحديث عدة توجيهات، منها: أنه سبحانه وتعالى ينزل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يصدقون بهذا الحديث، ولا يكيفون. وقال قوم من أهل الأثر: إنه ينزل أمره وتنزل رحمته. وهذا التأويل مروي عن مالك أيضا.

قال الحافظ ابن عبد البر: وقد يحتمل أن يكون ما قال مالك -رحمه الله- : على معنى أنه تتنزل رحمته وقضاؤه بالغفو والاستجابة، وذلك من أمره، أي أكثر ما يكون ذلك في ذلك الوقت والله أعلم.

وإذا كان البعض يقول: إنه ينزل بذاته، فإن هذا القول ليس بشيء، عند أهل الفهم من أهل السنة، لأن هذا كيفية، وهم يفزعون منها، لأنها لا تصلح إلا لما فيما يحاط به عيانا. وقد جل الله وتعالى عن ذلك.[3]

قال أبو سليمان الخطابي: هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان مذهب السلف فيها الإيمان بها، وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها.[4]

يستحيل إذن حمل حديث النزول على النزول المادي الذي يفتقر إلى ثلاثة عناصر، وهي:
جسم عال، هو مكان لساكنه، وجسم سافل، وجسم متنقل من علو إلى أسفل، وهذا كله لا يجوز على الله تعالى.

تأويلات حديث النزول
وقد ذكر أهل السنة والجماعة لحديث النزول التأويلات الآتية:
· إظهار رحمته لهم وإجابته لدعائهم.[5]
· أنه إخبار عن إجابة الدعاء في ذلك الوقت، وإعطاء السائلين، ما سألوه، وغفرانه للمستغفرين، وتنبيه على فضيلة ذلك الوقت، وحض على كثرة الدعاء والاستغفار فيه.[6]
· أنه بمعنى التقرب برحمته. · نزول الرحمة أو يفوض مع اعتقاد التنزيه.([7]
· السكوت عن الكلام في ذلك مع اعتقاد التنزيه.[8]

--------------------------------------------
[1] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، للإمام الحافظ أبي عبد الرحمن يوسف بن عبد البر النمري القرطبي، (تـ 463 هـ) الجزء السابع الصفحة 128 تحقيق عبد الله بن الصديق، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المملكة المغربية، 1399_1979.
[2] دفع شبهة التشبيه، للإمام عبد الرحمن أبي الحسن الجوزي (تـ 597 هـ) ص: 49 تحقيق الشيخ زاهد الكوثري، المكتبة الأزهرية للتراث، 1998.
[3] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، للإمام الحافظ أبي عبد الرحمن يوسف بن عبد البر النمري القرطبي، (تـ 463 هـ) الجزء السابع الصفحة 128 تحقيق عبد الله بن الصديق.
[4] كتاب الأسماء والصفات، للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (تـ 458 هـ) 2/ 377 تحقيق الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، مكتبة السوادي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1993.
[5] مشكل الحديث وبيانه، للإمام الحافظ أبي بكر بن فورك، (تـ 406 هـ) الصفحة 472 تحقيق موسى مجد علي، عالم الكتب، بيروت الطبعة الثانية 1985.
[6] المنتقى، شرح موطأ مالك، تأليف القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي، (تـ 494 هـ) الجزء الثاني الصفحة 432 تحقيق محمد عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1999.
[7] فتح الباري شرح صحيح البخاري، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ( تـ 852 هـ) 11/155 طبعة جديدة حقق أصلها عبد العزيز بن باز، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1989.
[8] دفع شبهة التشبيه، للإمام عبد الرحمن أبي الحسن الجوزي ( تـ 597 هـ) ص: 49 تحقيق الشيخ زاهد الكوثري، المكتبة الأزهرية للتراث، 1998