حضور الصوفية المغربية في مهرجان أمواج بالدار البيضاء: رحلة فكرية وروحية عبر القارة الإفريقية

أضيفت بتاريخ 12/12/2025
منصة أقطاب


في قلب الدار البيضاء، احتضن **مهرجان أمواج** في نسخته الثانية لقاءً فريداً جمع بين الإبداع الإذاعي، والذاكرة الإفريقية، والبحث الفلسفي في الروحانية الإسلامية. من خلال برنامج **«إفريقيا: ذاكرة قارة»** على إذاعة فرنسا الدولية (RFI)، قاد الكاتب والإذاعي إلغاز جمهور المهرجان في رحلة فكرية امتدت من فاس إلى تمبكتو، لاستكشاف جذور التصوف المغربي وصلاته العميقة بالتصوف الإفريقي، ضمن حوار مفتوح مع المفكر المغربي والفيلسوف **علي بن مخلوف**.  

تحدث بن مخلوف، المولود في فاس داخل أسرة ذات تقاليد دينية عريقة، عن نشأة الحس الصوفي في المغرب، خصوصاً في الزوايا التي ظلّت على مدار القرون فضاءات لتلاوة المدائح النبوية، والتربية الروحية، وإحياء قيم العطاء والتواضع. وأشار إلى أن مدينة فاس تمثل قلب هذا التراث، حيث تلتقي المدارس الروحية الكبرى مثل **التيجانية** و**القادرية**، اللتان امتد تأثيرهما من المغرب إلى عمق الساحل الإفريقي، خصوصاً في السنغال ومالي والنيجر.  

أوضح المتحدث أن **التصوف المغربي** لم يكن فقط تجربة روحية، بل مشروعاً فكرياً أصيلاً يقوم على "إصلاح السلوك"، والاهتمام بالجوهر الأخلاقي قبل الشعائر. فالتصوف، بحسبه، ليس انغلاقاً على الذات، بل انفتاح على العالم، وممارسة للرحمة والتأمل ومجاهدة النفس. واستعاد في هذا السياق فكر أعلام مغاربة كبار مثل **أبو العباس السبتي** الذي جعل من الكرم والتواضع جوهر الإيمان الحقيقي، و**ابن رشد** الذي جسّد في فلسفته تزاوج العقل والإيمان.  

ربطت الجلسة بين حضور التصوف في المغرب وبين أدواره التاريخية في بناء الروابط بين شمال القارة وجنوبها، من خلال القوافل التجارية والطرق العلمية، حيث كان العلماء والمتصوفة يحملون كتباً وأفكاراً قبل أن يحملوا سلعا كالذهب والملح. وهكذا، شكلت **فاس وتمبكتو** محورين ثقافيين لا يفصل بينهما سوى الرمل والصحراء، لا الحدود.  

وفي مداخلة للإعلامي المغربي **سامي الأخمري**، استعاد الحضور صفحة منسية من التاريخ الحديث: عملية تهريب احتياطي الذهب الفرنسي نحو المغرب إبان الحرب العالمية الثانية، لتأمينه في قبو بنك الدولة بالدار البيضاء، ما جعل المدينة آنذاك مركزاً حيوياً بين أوروبا وإفريقيا. هذا التذكير بخيوط التاريخ الاقتصادي والروحي بين الشمال والجنوب أضفى على اللقاء بعداً إضافياً عن الذاكرة المشتركة للقارة.  

وفي ختام النقاش، شدد علي بن مخلوف على أن **الإسلام الصوفي في المغرب** يظل مدرسة في التوازن بين العقل والإيمان، بين التقاليد المحلية والانفتاح العالمي، وأن الحلول لأزمات التطرف لا تكمن في الدين نفسه، بل في غياب العدالة والدولة. فالتصوف، كما قال، هو “إصلاح للحياة دون إكراه، وإيمان بالعطاء والتواضع كسبيل للسلام”.